عرفت البشرية حركات احتلال وغزو لا حصر لها، إلا أنها لم تعرف في تاريخها احتلالاً وغزواً بربرياً وهمجياً كما هو الحال مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ففي الوقت الذي يغزو شعب واحد أرضاً محددة قريبة جغرافياً -غالباً-، تكالبت شعوب الغرب كلها على أرض فلسطين، وتآزروا جميعاً من أجل نزع ملكية الأرض من أصحابها وتقديمها للإسرائيليين، ولا بزال الوضع على ما كان عليه، ففي الوقت الذي تقف المقاومة الفلسطينية وحيدة، محرومة من دعم أشقائها المسلمين والعرب، ينفر العالم الغربي عن بكرة أبيه دعماً للجيش الإسرائيلي، ولولا هذا النفير ما استطاع هذا الجيش أن يصمد أمام رصاص المقاومين وعزيمتهم.
إن هذا الاحتلال الغاشم لهو استثناء بكل المقاييس، فلم يكتفِ المحتل بانتزاع أرض فلسطين وتهجير القرى وارتكاب المجازر التي لم يسبق لها مثيل، بل انتزع من فلسطين السماء حتى باتت "وطناً بلا سماء"
وطن بلا سماء
تساءلت: "لماذا نحن محرمون من زيارة القدس؟ ولم لا يذهب المسلمون والعرب عامة والعالم في رحلات إلى غزة؟"؛ فقد سبق وشاهدت بعض الرحالة يطوفون كل بقاع الدنيا ويكتشفون أراضي بعيدة، إلا أنهم لا يفكرون في زيارة غزة، مع أنها أقرب إليهم والأولى بهم أن يزوروها. سيقول القائل إن فلسطين تزار لكن تحت رحمة الاحتلال، نعم وهذا ما يجب أن يتغير، وأليس التطبيع بني على أن تحلحل إسرائيل القضايا الأهم، فأي أمر هو أهم من هذا؟
هذا بالنسبة لأراضي الضفة الغربية، فماذا عن غزة: "هل تمتلك غزة مطاراً دولياً؟"
والإجابة نعم، وقد افتتح في ديسمبر/كانون الأول من العام 1998 وبحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، واحتفى به العالم؛ كونه سيخرج المنطقة من الحصار الذي ضربته عليها أيادي الغدر لعقود، إلا أن الحلم الذي شارك فيه المصريون وحمل بصمة مغربية أصيلة ودعمه الراحل الحسن الثاني، رحمه الله؛ أُجهض في المهد، واضطربت إسرائيل حين نزل الطيار الفلسطيني "زياد البدا" بمدرج غزة، فحرمت على فلسطين سماؤها وأغلقت مذ ذاك أبوابها.
قتله أيدي المغتصبين، حتى لا يكون لغزة اتصال بالعالم وحتى تتمكن كماشتهم من العمل، وحتى يتسنى لهم الاستمرار في تزيل نظام الأبارتيد العنصري.
لطالما تعاطف العالم مع قضية السود في جنوب أفريقيا فنظام الفصل العنصري بات اليوم فترة مظلمة في تاريخ الرجل الأبيض، ووصمة عار على الإنجليز، إلا أن هذا الإنجليزي هو نفسه من شارك في تأسيس ليس لنظام عنصري بل لكيان كامل الأركان، وسلطته على الفلسطينيين العزل.
فاليوم لا يزال الغزاوي تحت نير نظام الفصل العنصري وأمام مرأى من العالم، ولا يستطيع أي بشري أن يتدخل ليسقطه، ولك أن تتخيل أن الدول العربية بما تمتلكه من مال وجاه وتاريخ تليد لا يمكنها الضغط على المرتزقة من أجل إبعاد طائراتها العسكرية عن مطار غزة، ولو أنك عدت بالزمن ألف سنة وأخبرت أحدهم بما يحدث للعرب والمسلمين لما صدقك ولظنك مجنوناً، أو رماك أقل التقدير بالكذب.
والحقيقة أن واقعنا يخبرنا أن الوضع القائم ليس جنوناً ولا كذباً، وهذا ما يحزن القلب، والذي يزيده حزناً على حزن، أن رئيس البرلمان البحريني يرفض أن يساء للكيان الغاشم بدعوى التطبيع، فواعجباه من حاضر مخزٍ.
أحلم بسماء فلسطين
"لديّ حلم I have a dream"
هكذا قال لوثر مارتن كينغ حين كان يبث دعاوى الحرية للسود في أمريكا؛ وهكذا نقول نحن اليوم ونحن نصدح بالحرية لفلسطين.
"لدينا حلم We have a dream"
وحلمنا أن نرى فلسطين أبية حرة، وأن ينزع النظام العنصري أظافره من على جسد القدس.
كم سيكون من الرائع أن تنظم الرحلات إلى القدس وغزة وإلى الخليل وكل بقاع فلسطين، ولنُفطر في رمضان عند جدة عمرت حتى التسعين، أو أم شهيد بقي لها من الولدان اثنان واحد اسمه الضفة والآخر غزة، وفي العيد نزور أهلنا في المخيمات ولينفق كل منا الغالي والنفيس من أجل القضية.
ليس لأننا عرب ولا لأننا مسلمون نحلم بزيارة فلسطين، بل إن كل إنسان محافظ على فطرته ليحلم أن يعيش ذلك اليوم الذي تتحرر فيه أرض الزيتون والمسيح، وتكسر فيه البندقية فوق رأس الجندي مجهول الأصل، أو المجنس الذي ظن لوهلة أن الأرض أرضه، حتى بات يناظر في الأصول والأعراق، ويطل علينا هو وقطيع الذئاب الذي كل واحد منهم لا يشبه الآخر فهم مزيج من كل مكان، تجمعهم البندقية وتفرقهم حجارة طفل فلسطيني لم يبلغ العشرين بعد.
لديّ حلم واقتراح وهو أن يعاد افتتاح مطار غزة الدولي، وأن تنظم الرحلات الجوية من كل مدن العرب والمسلمين والعالم إلى فلسطين دون تدخل الإسرائيليين، فنكون بذلك وصلنا الأحبة وحركنا الاقتصاد ورفعنا عنهم هذا النظام العنصري الذي لا يستحي، وصدق المصريون حين قالوا "الذين استحوا ماتوا"، وهذا يصدق على كثيرين لا يستحون وهم يدعمون قتلة الأطفال ويدافعون عنهم وعن مشروعهم العنصري.
هل يمكن أن يتحقق الحلم؟ ماذا لو تحقق، هل ستسافر إلى فلسطين أم أنك ستفضل وجهة أخرى؟
فلتناقش هذا الموضوع مع من تعرف، ولنجعل الحلم حقيقة، ولنبين للعالم مدى إجرام هذا الكيان السرطاني الذي يخنق الفلسطينيين ويحرمهم من أبسط حقوقهم، وهي فرصة لمن يقولون إن الكيان يريد السلام، ها هو مشروع سيفك العزلة على غزة فلماذا يصر الكيان على استمرار إغلاقه ويحاصره بالطائرات المقاتلة، فإن كان الملام الذي تقولونه عن السلام، فأي سلام وهو جاثم على جثث الأطفال النحيلة في اعتزاز الكلاب إذا غابت الأسود.
مطار غزة يجب أن يكون فوق طاولة كل دولة عربية وغير عربية، وحق فلسطين في التحكم وفي التنقل من وإلى أراضيها لا يناقش، وهذا ما يجب على كل مسلم وعربي ومتضامن التفكير فيه وليس الاستنكار والقلق وشجب والتفاعل بأحزنني على المنشورات، فنحن مطالبون بالتفكير في حلول واقعية تضمن استرداد الحق الفلسطيني في أرضه وفي وجوده كشعب ضارب بجذوره في عمق التاريخ، يرفض عملية الإحلال التي تحاول إسرائيل ومخترعوها تطبيقها، بطمس الموروث الفلسطيني واختراع الإسرائيلي (راجع كتاب "اختراع أرض إسرائيل"، وكتاب "اليهود أنثروبولوجيا").
فإذا حاولوا هم تغييب القضية وطمس الهوية وتزييف الحقائق، فلننشر نحن القضية الفلسطينية ونعد لصاحب الحق حقه، ولا نقف موقف الجبناء؛ فالتاريخ لا يعترف إلا بالأبطال، وليس للجبناء سوى النسيان.
فلا حوار إلا بعد أن يعاد افتتاحه وتعود حركة الطيران وتستقبل فلسطين الوفود بختمها لا بختم المحتل، وما دون ذلك هو ذر للرماد على أعين الشعوب وربح للوقت.
ولست أرى من وقت هو أحلك على إسرائيل من هذا الوقت، فالولايات المتحدة الأمريكية وأوربا أكبر الداعمين يمران بوقت عصيب، والعالم يصير نحو نظام آخر غالبا؛ والسعودية وإيران تصالحتا، وبهذا التطبيع لم يعد ذا قيمة عند الخليج عامة والسعودية خاصة، وبالتالي إسرائيل في مأزق ولو وجدت في المسلمين من يضغط عليها لعادت لحجمها الحقيقي، ولانفض عنها شعبها المستورد.
اقترب الوعد الحق
يساورني شعور بأن المشروع الصهيوني قد اقتربت نهايته، وبأننا قاب قوسين أو أدنى من أحداث ستغير وجه البسيطة، ولا شك لدى الجميع أن هذه الحرب الدائرة اليوم ستقوّي المقاومة وتزيد الإرادة الشعبية في كامل فلسطين صلابة، وهذا ما تجلّى اليوم في انتفاض مدن وقرى الضفة الغربية، والتي مع سلطة عباس وتنسيقها المقدس، ومع الخونة، وجدت لنفسها مساحة للرد على توغلات الاحتلال في جنين ونابلس وطولكرم…، وبات الشباب يقف الند للند ويفرض كلمته بعزيمته ورصاص البندقية ودعوات الأمهات والآباء.
إن كل ما يحدث وسيحدث لهو مقدمة لما ينتظره العالم وتنتظره الأمة، ويعرفه أساطين العدو الإسرائيلي ومفكروه، الذين يصرحون بكل وضوح بأن دولة الكيان تعيش خريفها الأخير، وليس بينها وبين السقوط سوى سنوات معدودات، وقد باتت فئة من الشعب الإسرائيلي تطالب بحل الدولتين، بعدما تيقنت من استحالة استدامة المشروع الصهيوني واستحالة هزيمة المسلمين وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، كما كان يحلم قادة الغرب ويتمنى البعض في المنطقة العربية اعتقاداً منه بأن القضية الفلسطينية تعرقل مشاريع التنمية في المنطقة، وبكون السلام مع إسرائيل ممكناً، متغافلاً عن حقيقة جوهرية وهي أن حدود دولة إسرائيل -وليومنا هذا- غير محددة؛ ما يعني أنها مفتوحة على الجوار، وما يدل على أن حلم دولة "من الفرات إلى النيل" قائم في ذهن الصهاينة، وبكون العودة إلى خيبر لا يزال ممكناً، وبهذا نصل إلى كون السلام في المنطقة مجرد وهم وخرافة، فلا سلام بوجود دولة الكيان، وإيمان الصهاينة بحقهم في كل أرض سكنها اليهود يوماً ما.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.