في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، ظهرت حملات المقاطعة كوسيلة فاعلة للتعبير عن الرفض والمقاومة، فتحت وطأة أغلب الأنظمة العربية تُمثل المقاطعة إحدى الطرق القليلة للإعراب عن التضامن مع أهل غزة.
منذ أكثر من 9 أشهر، تعيش غزة تحت وطأة حرب مدمرة، بينما تستمر مشاعر الخذلان من جانب العديد من الدول العربية والإسلامية. في هذا السياق، برزت حملات المقاطعة كصورة من صور المقاومة الشعبية، تعكس الرغبة في الاستمرار بدعم أهالي غزة، الذين يتحملون ظروفاً قاسية لا تُطاق، ووحشية غير مسبوقة.
في الفترة الأخيرة، أصبحت تصرفات بعض المشاهير العرب موضوعاً للنقاش العام، خاصة عندما اختار هؤلاء المشاركة في حملات إعلانية لشركات تحتفظ بعلاقات تجارية مع الاحتلال. هذه التناقضات تطرح تساؤلات حادة حول المسؤولية المجتمعية بشكل عام، وتسلط الضوء بشكل خاص على دور المشاهير والمؤثرين. إذ يجب أن يكون نقل الحقائق حول ما يحدث في غزة ضمن أولويات الفنانين والرياضيين والمشاهير، خصوصاً في هذه اللحظات التي تغيب فيها العدالة بشكل كامل؛ إذ إن صدى كلماتهم وصورهم قادر على إحداث فارق كبير لدى جمهورهم الواسع.
يومياً، مع استمرار مجازر الاحتلال في غزة دون حساب، تظهر ضرورة إبراز التضامن بشكل مستمر من أجل التأثير في تشكيل الرأي العام. وهذا ليس كلاماً إنشائياً، فالمظاهرات التي تنظم في كبريات عواصم وجامعات العالم دعماً لغزة تبرز فعالية ونجاعة تضامناً البسيط، لكنها في الوقت نفس تؤكد على الحاجة المستمرة للتوعية بحقائق القضية الفلسطينية العادلة. وهنا يتضح كثر أن الدور الذي يمكن أن يؤديه المشاهير هنا هو حاسم، لذا لا غرابة من الضغط الجماهيري إتجاه بعض المشاهير لاستخدام منابرهم من أجل دعم قضية إنسانية واضحة، بدلا من الترويج العلامات التجارية.
في زمن يتعاظم فيه الظلم وتتكاثر فيه المآسي بالتوازي مع تزايد استهلاك الرفاهية والسعي وراء المتع المادية، تبرز المقاطعة كأداة فعّالة للتعبير عن إنسانيتا، في رفضنا للظلم وللوقوف صفاً واحداً مع من يعانون تحت وطأة ظالمين العالم. فالمقاطعة، بأشكالها المتعددة، ليست مجرد فعل سياسي بل هي اختيار إنساني يتجاوز اللامبالاة التي قد تصيب الكثيرين في وقت الأزمات. إنها تعبير صادق عما يشترك فيه البشر، فتضامننا وشعورنا المشترك بالمسؤولية تجاه الآخرين ليس تكرماً بل هو جوهر أساسي من أجل استمرار الحياة على هذا الكوكب. وأرى أن فعالية فعل المقاطعة لا يكمن في فقط في بعده الاقتصادي، بل في بعده الوجداني، إذ يدخل مفهوم التضامن بشكل أساسي في حياتنا، بالتأكيد أن الفعل الإنساني لا يرتبط بالحدود الجغرافية بل فيما يحمله البشر من قيم.
في هذا السياق، يتحمل المشاهير والشخصيات العامة مسؤولية خاصة؛ فهم يمتلكون القدرة على التأثير في الرأي العام وتشكيل الوعي الجماعي. وهنا يأتي الدور الأخلاقي الذي ينبغي على هؤلاء الأفراد أن يلعبوه. فالفن، والرياضة، وكافة الأنشطة الثقافية، بالرغم من قيمتها وجمالياتها، إلا أنها تظل بلا معنى حقيقي إن لم تُستخدم من أجل العدالة. الفن الذي لا يُسخّر لإيصال صوت الضعيف أو للتعبير عن الرفض للظلم، يخسر قيمته الإنسانية.
وليس هنا الهدف من هذا التحديد لوظيفة الفن والثقافة أن يُحجّم من إبداعات الفنانين أو الرياضيين، بل للتأكيد على أن لهذه الممارسات دوراً يمكن أن يتجاوز الإمتاع والتسلية، إلى بناء مجتمعات أكثر وعياً وتضامناً. ففي النهاية، القيمة الحقيقية للعمل الفني أو الرياضي تكمن في قدرته على التأثير والمساهمة في التحولات الاجتماعية والثقافية.
ومن هذا الفهم أرى أنه على عاتق المشاهير أولوية أخلاقية؛ في استخدام منصاتهم للفت الانتباه إلى صباحات غزة ومساءاتها التي تغرق في بحر من الدم والألم؛ حيث تتجسد مشاهد الفراق والخراب يومياً. فالفلسطنيون يواجهون كل أشكال الموت بأشكاله المروعة؛ فإن نجوا من صواريخ الاحتلال، يطالهم الجوع، الحر، أو تبقيهم الحياة في حالة من التشرد والفقدان العميق. منازلهم هُدمت، مدارسهم دُمرت، والموارد البشرية استُنزفت بشكل كامل.
عائلات بأكملها مُحيت من السجل المدني، بينما تشتت أسر أخرى وأصبحت بلا مأوى، وتدهورت أحوال الكثيرين حتى بات مستقبلهم في طي النسيان. المجازر تتوالى ضد شعب أعزل، بينما العالم يشاهد دون تحرك يذكر، ومع ذلك، لا يزال البعض يتردد ويشكك في فعالية وأهمية المقاطعة. إن هذه الحرب قد كشفت بجلاء مدى الحاجة الماسة لإصلاح إنسانيتنا وتأهيلها.
اليوم أكثر من أي يوم مضى، يتحتم على كل فرد أن يقف موقفاً يعكس إنسانيته ومعتقداته الأخلاقية. المقاطعة، في هذه الحالة، ليست مجرد فعل سياسي بل هي تعبير عن إرادة إنسانية تسعى للعدالة والكرامة لكل فرد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.