هذا العيد الثاني الذي يمر على أهل غزة وهم في الحرب، الأيام تمر والحرب تطول، وهناك دعوات في كل مناسبة تدعو لاقتصار فرحة الأعياد على المناسك والشعائر الدينية تضامناً مع أهل غزة، حالة من الحزن والفرحة المنقوصة تسود الجو العام، ومع ذلك لابد من النهوض والتفاعل مع الحياة اليومية.
من سنة الحياة أن يتعرض الإنسان لشتى متغيرات الحياة ومصائبها وتغيراتها، وعليه التفاعل معها بحلوها ومرها ولكن استجابة كل إنسان لهذه التغيرات متفاوتة، بعد كل هذه المجازر في غزة والدم فإن هناك الجانب النفسي الذي تعرض له أهل غزة، الصدمات والألم الذي تتفاوت قدرة تحمله واستجابته من شخص لآخر، فأثرها النفسي الذي تتركه أثر يشبه الكسر في الإناء، بعد كل هذا بأي نفس وأي مشاعر سيفرح الإنسان الغزي بالعيد! البعض سيحاول عيش العيد وفرحه رغم الألم والفقد، والبعض لن يستطيع مقاومة الحزن وتجاوز آثار الحرب.
كيف نستطيع التخفيف على أهل غزة في عيد الأضحى؟ لا بد من تقديم العون المادي لهم، فقد قرأت في أحد المواقع أن من العلماء من قدّم المال هنا على الأضحية، وبأن إغاثة أهل غزة أولى من الأضحية، وسأورد القول كما قرأته وهو: "رأي صحيح ومعتبر، لأنه عند تزاحم الأعمال، يقدم الأوجب والأَولى، والأضحية سنة، ولكن مقاومة المعتدي واجبة، ولكن هذا يقال عند التزاحم، ولا أرى في المسألة تزاحماً، بل أرى أنه يمكن الذهاب للبديل وهو التصدق بثمن الأضحية، فعندئذ يُفتَى بما عند الإمام مالك وغيره من رأي فقهي معتبر في مثل هذه الحالة، وهو التصدّق بثمن الأضحية، وله أجر الأضحية إن شاء الله".
إننا نبحث عن كل ما نستطيع فعله لمساعدة أهل غزة والتخفيف من آلامهم وأحزانهم، حتى لا يمر العيد دون تركه أثر فرحه عليهم، هناك أخبار تلوح بالأفق عن إعلان وقف الحرب وعودة الغزيين إلى بيوتهم، أدعو الله تحقق ذلك، فقد آن للحرب أن تنتهي وينعم الغزيون بالأمن والأمان، آن لهم أن يلملموا جراحهم ويعودوا لحياتهم الطبيعية.
لي صديقة على الفيسبوك من غزة، أرى منشوراتها باستمرار لأطمئن على حياتها، رغم الحزن فهي تقاوم وإيمانها بالله كبير، من آخر ما كتبت: "أنتظر يوم عرفة لأخبر الله بكل ما في قلبي". صديقتي زين الله قلبك بالإيمان أكثر وأكثر وجعل دعواتك مجابة في كل وقت وحين، يوم عرفة هو يوم التاسع من الشهر العربي ذي الحجة، وفيه يقف الحجاج المسلمون على جبل عرفة، وذلك من أهم أركان الحج، فيه تجاب الدعوات ويغفر الله الذنوب والزلات، فيا رب أزح عن أهل غزة الهم وأبدل حزنهم فرحاً وسروراً.
من واجبنا التهيؤ لشعائر العيد وإحيائها والفرح بالعيد، وكنت قد بحثت عن مشروعية إظهار الفرح بالعيد رغم ما يصيب المسلمين من الحزن والفقد في غزة فوجدت هذا الجواب في موقع الإسلام سؤال وجواب: "فينبغي أن يجمع المسلم بين الأمرين: يظهر شعائر الدين وعباداته، كصلاة العيد وإظهار شيء من الفرح والسرور به، وفي الوقت ذاته يحزن لما أصاب إخوانه ويتألم لآلامهم. ولاشك أن المسلم كلما كان أكثر شعوراً وإحساساً بآلام إخوانه المسلمين، قل توسعه في مباحات اللهو واللعب، وإن أفسح لنفسه حاجتها وطلبتها من النافع من مظاهر الفرح بالعيد، وشكر نعمة الله عليه".
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ *** بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ *** فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
رغم أنني لا أحب بيت شعر المتنبي هذا لأنه يطفئ فرحة العيد، ولكنه شعار كل أعياد المسلمين منذ أن احتلت فلسطين الحبيبة، ولكن رغم الحزن والألم سيظل نضال الشعب الفلسطيني يسطر البطولة والأعياد، فهم شعب قوي الإرادة، يحبون الحياة، وهنا أقول شعر محمود درويش:
وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ
وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.