لا يمكن تجاوز مجزرة النصيرات، أي عالم متوحش هذا الذي نعيش فيه؟ وأي قوة إمبريالية تتحارب معها كتائب القسام بغزة؟ لقد اتحدت القوى الإمبريالية والرأسمالية ضد إخوتنا في الدم. إنه الشمال يبيد الجنوب وبعبارة أدق الغرب يبيد المدنيين في غزة من خلال دعمهم للاحتلال الإسرائيلي. لقد هزمتهم فصائل المقاومة في السابع من أكتوبر المجيد ومازالت إلى الآن تدافع عن أرضها المحتلة بكل شجاعة ونبل، بينما يستمر الاحتلال في تسعير كل القوى الإمبريالية لإبادة الأبرياء واستعادة أسطورته المفقودة.
هذه العملية المركبة كما يصفها الاحتلال كشفت عن منطق جديد أو سياسة جديدة تعكس الفاشية المسيطرة على القادة السياسيين للاحتلال والبربرية لجنوده المنتشرين في عموم القطاع، وكذلك تنزع القناع عن الإدارة الأمريكية المتواطئة في هذه الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر. وقد أعلنوا أمام المجتمع الدولي الدعم الكامل لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في هذه المجازر. وعملية تحرير الأسرى أكدت مشاركة الجنود الأمريكيين مع الأجهزة الإسرائيلية لتحرير الأسرى بالقوة من حماس.
لا شيء منطقياً في هذه الحرب المجنونة. ولا توجد قرارات سياسية حكيمة من جانب الدول الاستعمارية، وهذا التناقض أدى إلى إشكالية أخلاقية جعلتنا نحكم بالعداء لهذه الحكومات الغربية التي ادعت يوماً ما حماية حقوق الإنسان. تصوروا معي دولة مثل أمريكا وبإدارة من المفترض أنها ديمقراطية ترسل جنرالات إلى تل أبيب لوضع خطة لهذه العملية، ومنذ السابع من أكتوبر عملت هذه الخلية الأمريكية على جمع المعلومات الاستخباراتية وتقديمها للاحتلال.
هم لا يتعاملون بقداسة مع الإنسان؛ لأن مفهومهم عن الإنسانية والإنسان غير واضح. وهذا ما جعلهم يحتفون بهذه المجزرة. تخيلوا معي أن يتم تحرير 4 أسرى مقابل القضاء على 210 من الشهداء الفلسطينيين والمصابين الذين تجاوزوا 400 إنسان ولم يعد بإمكان مستشفى شهداء الأقصى بالنصيرات استقبالهم، وهذه المجزرة تعتبر نتيجة من نتائج تحرير الأسرى التي أشاد بها نتنياهو باعتبارها نصراً يجب تخليده في كتب التاريخ ومعركة بطولية كما وصفها يوآف غالانت.
وليس هناك سبب آخر غير الذي ذكرناه يفسر ترحيب بايدن بعملية تحرير الأسرى غير أنه لا يبالي بحياة الفلسطينيين وبكرامتهم وحقهم في العيش بسلام فوق أرضهم. من المخزي أن تصل الدول التي تدعي أنها حامية القيم الإنسانية إلى هذا النوع من السقوط الأخلاقي والإنساني الذي جعلهم يعملون وفقاً لهذا المنطق الذي يختار تحرير 4 من الأسرى على حساب عدد كبير من الأبرياء والنساء اللائي لا ذنب لهن في هذه الحرب غير أنهن قتلن فوق أرضهن بدون سبب. هنا تكمن حقيقة هذه الدول الاستعمارية ونظرتها للآخر وهي نظرة غير إنسانية في مجملها وليست بمدنية بالمطلق إنما نظرة متحيزة كثيراً.
في هذه العملية غير الإنسانية تأكدت أن القوة الأمريكية هي من تحرك هؤلاء الضعفاء في صفوف الاحتلال، وتيقنت أن أمريكا هي العقل الأداتي الذي تعمل به إسرائيل وبدونها لن تستطيع الصمود ولو لدقيقة واحدة؛ لأن أدوات الصمود غائبة عنهم، وانتهيت كذلك إلى أن النفاق والخداع من المبادئ الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل الميناء البحري الذي استخدموه في هذه العملية مؤشر كافٍ على خداعهم للعالم بأنه لنقل المساعدات إلى قطاع غزة لنتفاجأ باستخدامه في هذه العملية، وقد شاهدنا هبوط المروحية بقرب منه وحملها للأسرى المحررين، كل ذلك يدل على الخداع الأمريكي ولا جديد!
وكذلك انتهيت إلى أن السابع من أكتوبر المبارك هو يوم لا يزال جرحه نازفاً في قلب نتنياهو البائس الذي سمعته يتخبط في كلمته عندما وصف عملية تحرير الأسرى بأنها تكتب في كتب التاريخ، تأكدت أن عقل الرجل غير متزن، وأن يوم السابع ما زال عقدته التاريخية ونهاية مسيرته السياسية وإلا كيف وصف عملية تحرير الأسرى بأنها تاريخية بالرغم من كونها أتت بعد ثمانية أشهر من مقاومة شجاعة ومعارك بطولية وهزائم ألحقتها الفصائل الفلسطينية بجنود الاحتلال كيف ذلك؟
خلاصة قولي البراجماتية الأمريكية تجيز لبايدن نفاقه السياسي، خصوصاً وهو يبحث في حملته الانتخابية عن منجزات لإقناع ناخبيه الديمقراطيين المحتجين على سياسته في الحرب وكذلك المستقلين من حكومته، وكذلك نفهم دعمه المطلق لنتنياهو بأنه يحاول إبعاد تهمة معاداة السامية عن إدارته في حال وقف ضد سياسة وتوجهات اليمين المتطرف في إسرائيل، وكذلك منافسه ترامب تسبب له قلقاً في استطلاعات الرأي، والمصيبة قادمة لا محالة لبايدن الذي لم يوقف الحرب ولم يطلق الأسرى لدى حماس. أما عن نتنياهو فمصيبته أعظم، لم يحرر كل الأسرى، ولم يقض على حماس، ولم يتحمل مسؤولية السابع من أكتوبر، وكذلك لم يقنع غانتس بالتراجع عن قرار استقالته حتى بعد هذه العملية. ربما يصبح نتنياهو وبايدن مثلاً سياسياً ساخراً فيقول المتهكمون: هما مثل باقل.. بينما أبو عبيدة مثل سحبان وائل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.