في هذا العصر يجب أن نتعلم من الفلاسفة حكمة تجاهل "الحمقى" الذين يدّعون المعرفة وهي أخطر من الجهل، فلا تعط للحمقى وقتاً ولا قيمة، وهذا ليس كبرياء ولا احتقاراً، كما قال: الفيلسوف والكاتب برنارد شو "إن أداة الصمت هي أفضل تعبير عن الاحتقار".
وفي بعض المواقف يفرض الحديث الكلام بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وتجد حمقى يكتبون تعليقات وكأنهم علماء في كل شيء، هم يشعرون بالدونية، أحياناً يمثل بعضهم دور الأبله، وأن جيوبهم عامرة من المال، فيبحث عن دور له وسط ثقافة التفاهة والفرجة.
قد يكون في الكلام فضفضة لشخص يريد المزح والمرح ويبحث عن وقت لراحة البال، وقد يكون في الصمت بعض الفضيلة.
أحياناً يكون الصمت أبلغ من الكلام، خاصة في حضور الحمقى، فهذا أكثر فائدة ونفعاً، أو على الأقل قد يكون أقل ضرراً من أن تصطدم مع أحمق فيكون الصمت فيه حكمة وقوة.
وخير مثال على ذلك حياة الفيلسوف اليوناني سقراط، وكيف استطاع أن يتغلب على واقع داخل أسرته وهي زوجة سقراط، من كان يتوقع أن الفيلسوف سقراط الذي عُرف بثقافته وحكمته وقوة كلماته، كان يعيش في وسط مليء بالصراخ والجهل والعصبية من قبل زوجته.
عُرفت هذه المرأة بأنها كانت سليطة اللسان وقوية وجبارة جعلت زوجها كل يوم يخرج من الفجر ويعود بعد مغيب الشمس. ومع ذلك يقول سقراط عنها: "أنا مدين لهذه المرأة، لولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت والسعادة في النوم".
ويقول أيضاً: "ابتُليت بمصائب ثلاث: اللغة والفقر وزوجتي؛ أما الأولى فقد تغلبت عليها بالاجتهاد، والثانية فقد تغلبت عليها بالاقتصاد، وأما الثالثة فلم أستطع التغلب عليها".
وفي يوم من الأيام كان صوتها يعلو وهو يجلس مع تلاميذه لتشتمه وتسبه كعادتها أمام تلاميذه، ولكن هذه المرة تفاجأ بأن انهمر فوقه الماء وهو يجلس مع تلاميذه فمسح الماء من على وجهه بدهشه، وقال: كان يجب أن نتوقع أنها ستمطر بعد كل هذه الرعود. وقال مقولته الشهيرة: "ما أجملك حين تمطرين، وحين ترعدين، وحين تبركين".
وأسلوب سقراط الهادئ هذا وسكوته أدى إلى وفاة زوجته بسكتة قلبية.
نعم، توفيت زوجته بعد ما أشعلت خلافاً مع سقراط، فالتزم زوجها الصمت والسكوت وراحة البال، أما هي فكانت كالبركان مما أدى إلى ألم شديد في القلب والكتف وتوفيت في تلك الليلة.
ولكن الغريب هذا الشهر حين كتبت الصحف عن طلب امرأة بريطانية تبلغ من العمر 80 عاماً الطلاق لأن زوجها تظاهر بالصمم لسنوات طويلة؛ حيث تقدمت "دوروثي داوسون" بطلب الطلاق بعد أن اكتشفت أن زوجها "باري" البالغ من العمر 84 عاماً لم يكن أصم، وهو ما تظاهر به لسنوات، حتى لا يستمع إلى حديثها.
ووفقاً لأوراق الطلاق، لم يتفوّه الزوج "باري "بكلمة واحدة طوال عشر سنوات من الزواج، ولكي تتواصل مع زوجها، تقول السيدة داوسون "لمدة عامين كاملين تعلمت لغة الإشارة، وبمجرد أن بدأت أنجح وأتواصل معه بلغة الإشارة، بدأ باري يعاني من مشاكل في الرؤية ويُشير لي أنه لا يري جيداً"، اكتشفت أنه كان يعيش حالة صمت معها طوال عشر سنوات.
"في هذا الزمن نحتاج للصمت فى صمتك، أصبحتَ كاتباً مبدعاً فى كلامك". عن غوغاء هذا العصر من الحمقى أتحدث.
فهٰذه الكلمات تتردد في فكري، ونحن في حياة أصبحت أن الجميع يتحدثون، فهل من مستمع لتلك، وطُرحت الأسئلة نفسها: من فلاسفة ومفكرين لماذا يصمُت الإنسان؟ وكيف يكون الصمت في زمن الصعاليك الرعاع؟ وهل للصمت صوت وكلمات؟ ومتى يكون الصمت حكمة؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.