لماذا جعل الإسلام الأخوة أهم وسائل بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/08 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/08 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش

إن من الأصول العظيمة التي تحقق وحدة الصف وقوة التلاحم، ومتانة التماسك بين أفراد المسلمين؛ تحقيق الأخوة في أوساطهم، وإن الأخوة منحة من الله عز وجل، يعطيها الله للمخلصين من عباده والأصفياء والأتقياء من أوليائه وجنده وحزبه. 

قال تعالى: "وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ  وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [الأنفال: 62، 63]. 

وهي قوة إيمانية تورث شعوراً عميقاً بعاطفة صادقة ومحبة وود، واحترام، وثقة متبادلة، مع كل من تربطنا بهم عقيدة التوحيد ومنهج الإسلام الخالد، يتبعها ويستلزمها تعاون وإيثار ورحمة وعفو وتسامح، وتكافل وتآزر، وهي ملازمة للإيمان. قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات: 10]. 

ولا يجد حلاوة الإيمان إلا من أشرب هذه الأخوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".  

إن القرآن الكريم يرسم لنا صورة جميلة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: "مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ" [الفتح: 29]. 

إن القرآن الكريم حين وضع بين دفتيه هذه الصورة، إنما يخبرنا بتكريم الله عز وجل؛ فهم "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ". 

أشداء على الكفار ولو كان فيهم الآباء والقرابة والأبناء، رحماء بينهم، وهذه الأخوة في الحق، أخوة في الدين. إن الأخوة في الله من أهم الأسباب التي تعمل على الصمود في وجه أعتى المحن التي تنزل بالمسلمين، كما أن الفهم المتبادل والكامل للأخوة في الله من أسباب تماسك صفوف المسلمين وقوتهم، ومن أسباب شموخهم والتمكين لهم. إن النبي (صلى الله عليه وسلم) اعتمد على معاني الأخوة، وعمل على تحقيقها، وجعلها من الوسائل المهمة في بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وإن أهمية هذا الأساس تظهر في الجوانب التالية:

– إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولا يمكن لكل من الوحدة والتساند أن يتم بغير التآخي والمحبة المتبادلة، فكل جماعة لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية، لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة أو الجماعة، فلا يمكن أن تتألف منها الدولة. ومن أجل ذلك فقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أساس الأخوة التي جمع عليها أفئدة أصحابه، إنما هي العقيدة الإسلامية التي جاء بها من عند الله تعالى، والتي تضع الناس كلهم في مصاف العبودية الخالصة لله تعالى دون الاعتبار لأي فارق إلا فارق التقوى والعمل الصالح.
 

– إن تحقق مبادئ العدالة والمساواة بين الأفراد ركن أساسي في الأخوة الإيمانية، فإنها لا تحقق ما لم تقم على أساس من التآخي والمحبة فيما بينهم، بل إن هذه المبادئ لا تعدو أن تكون حينئذ مصدر أحقاد وضغائن تشيع بين أفراد ذلك المجتمع، ومن شأن الأحقاد والضغائن أن تحمل في طيها بذور الظلم والطغيان في أشد الصور والأشكال. 

– إن من أسباب وحدة صفوف الأمة: العلم النافع، والإخلاص وتجريد المتابعة، وغير ذلك من الأسباب المعنوية التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتوحيد صفوف الأمة إلا أنني ذكرت أهمها خوفاً من الإطناب والإطالة. 

إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الأخوة المستمدة من الإيمان والعقيدة سر قوة الأمة، ومفتاح نجاحها. ولم يكن ما أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من مبدأ التآخي مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم، وإنما كان حقيقة عملية تتصل بواقع الحياة وبكل أوجه العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين؛ ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأخوة مسؤولية حقيقية تشيع بين هؤلاء الأخوة، وكانت هذه المسؤولية محققة فيما بينهم على خير وجه. لقد كانت رابطة الأخوة بين الصحابة الكرام من أسباب قوتهم ونصرة الله لهم. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي

ما بين متطلبات الروح والجسد.. لماذا اهتم الإسلام بإعمار الأرض وإصلاحها؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/25 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/25 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش

امتاز هذا الدين العظيم (الإسلام) بشموليته التي لا تترك جانباً من جوانب حياة الإنسان إلا ووضعت له مقاصده وأحكامه وضوابطه، ومنها شؤونه الدنيوية وما ينفعه في معيشته وما يخدم مجتمعه، وذلك وفق المقاصد الإسلامية الأساسية وفيما يرضي الله تعالى، فالإسلام يحث المسلمين على إعمار الأرض واستصلاحها، وجعل ذلك أحد المقاصد الأساسية من خلق الإنسان واستخلافه في الأرض، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]؛ فالإنسان المسلم من مسؤوليته تعمير الأرض ورعايتها لكي تصبح صالحة للحياة المستقرة السعيدة، ولكي ينتفع من خيراتها ويقوم بوظيفة الاستخلاف على أكمل وجه، فيحقق بذلك مرضاة الله تعالى، ويخدم أهله وبني جنسه، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].

 وتأتي دعوة الإسلام لإعمار الأرض ضمن منهجه المتوازن في مراعاة متطلبات الروح والجسد عند الإنسان، فيطلب من المسلم أن يسعى فيما ينفعه ويعمل على رعاية أهله وخدمة مجتمعه وبلده.

ولأن الله تعالى جعل عمارة الأرض وإصلاحها وظيفةً للإنسان ومقصداً من مقاصد خلقه واستخلافه فيها، فقد حرم الفساد والإفساد في الأرض، فالفساد نقيض الإعمار والإفساد ضد الإصلاح، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وكرر الله تعالى بغضه للفساد والمفسدين فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64]، ولأن الله تعالى يحرّم الفساد وينهى عن الإفساد في الأرض، فقد جعل لارتكاب تلك الجريمة أشد العقوبات وأقساها في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

وعمارة الأرض لها جوانب وصور متعددة، ومنها الجوانب المادية كالزراعة والصناعة واستخراج ثروات الأرض وخيراتها، فالله تعالى سخر جميع ما في هذا الكون لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20].

وقال سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]. ولذلك فقد مارس جميع الأنبياء والصالحين المهن والحرف المختلفة كسبل لإعمار الأرض والعمل بها بما يخدمهم وينفعهم، قال الله تعالى عن سيدنا داوود عليه السلام: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80]، والله عز وجلّ خصّ الحديد بالذكر في سياق التذكير بهذه النعمة والحكمة من خلقها، فقال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: 25].

 والله سبحانه وتعالى أباح للناس السعي في الأرض وطلب الرزق بشتى الأساليب والطرق طالما كانت ضمن دائرة ما أحل الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10].

ونجد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تحض على إعمار الأرض والإصلاح في كل زمان ومكان، فحث على العمل والكدح والسعي في طلب الرزق الحلال، وذلك في الحديث الذي رواه المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ، خيراً من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ " (البخاري: 2072). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيَأْكُلُ منه طيرٌ ولا إنسانٌ إلا كان له به صدقةً" (البخاري: 2320)، وفي حديثٍ آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها" (أحمد: 12512). 

وقد ورد في آثار الصحابة الكرام ما يوافق هذا المنهج السوي الذي أقرّه القرآن الكريم وحضت عليه السنة النبوية، فقد نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزُقْني؛ فقد علمتم أن السماءَ لا تُمطِر ذهباً ولا فضة)، وقوله أيضاً: (إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له، سقط من عيني)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إني لأكرَهُ أن أرى الرجلَ فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته).

هذا هو منهج الإسلام الذي ينظر إلى العمل الدنيوي والإنتاج البشري كجزء من عبادة الله تعالى، فالمؤمن العامل والمجتهد يكافأ على عمله في الدنيا ويؤجر عليه في الآخرة كذلك، إذا كانت نيته خالصة لله في عمله وسعيه لرزقه ورزق عياله، وفي ذلك دلالةٌ عظيمة على عظمة الإسلام الذي جعل من إعمار الأرض واجباً دينياً وأخلاقياً، ولم يجعله مقتصراً على كونه ضرورةً إنسانية لضمان معيشة الإنسان وخدمة مصالحه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي
تحميل المزيد