ما أن تبدأ حرب أو انتفاضة فلسطينية جديدة، حتى نسارع في شجب ردة الفعل الإسرائيلية والإدانة التي تتحملها بشكل أو بآخر، في حين لا نحاول فعل ما يعطي تلك الانتفاضة أو المقاومة زخمها المطلوب، ويكون رادعاً للجيش الإسرائيلي.
باعتقادي أن التمادي العربي في التعامل مع المعطيات الإسرائيلية أفرز تمادي الجانب الآخر في ممارساته السادية وتفكيره الشاذ والإمعان في القتل وقلب الحقائق، والتدليس والكذب على حساب الثقة التي أبداها البعض لهم، والأمر ملاحظ من خلال تصريحات بعض مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي في أثناء حرب طوفان الأقصى الدائرة الآن.
الملاحظ أيضاً أن طوفان الأقصى أبرز بعض الآراء العالمية في أحقية الشعب الفلسطيني بالحياة وتقرير المصير، لذا لا نستغرب اعتراف الكثير من الدول الغربية بفلسطين كدولة مستقلة، وهي التي كانت تؤيد الجانب الإسرائيلي على مدى السنوات الخالية.
هذا الغلو في القتل والدمار غير المبرر من الجانب الإسرائيلي يبدو منافياً للأخلاق والقيم التي تجلها الدول السوية كأدوات استقرار، وتقدم للإنسانية في أي بلد في العالم، وهذه الأدوات هي نفسها المحرك لها لنبذ ما تمارسه إسرائيل في أبناء فلسطين على مستوى هذه الحرب، وعلى مستوى هضم الحقوق والضغط الممنهج الممارس قبلها بسنوات، ما أدى إلى مراجعة أجندات إسرائيل من قبل المجتمع الدولي ووصول بعض الدول إلى فقدان الثقة بقيادات إسرائيل.
ودون أي معلومة ممنهجة أو تقارير مدروسة يمكننا استنتاج أن الدول الأوروبية وغيرها تعلم أبناءها مبادئ الحرية والديموقراطية العالمية بخلاف إسرائيل التي وضعت مدارس مختلفة غير نظامية لتعلم أبنائها كيفية كره العرب والبغض لهم، بل وكيفية التفنن في إيذائهم باعتباره غاية الغايات، وبزعم أن الملة تدعم هذا التوجه وتعززه، وتعليم أبناء إسرائيل كره العرب والإسلام لا ينطبق على تلك المدارس فقط، بل حتى المدارس النظامية، وفيها يصطنعون التاريخ، ويربون أطفالهم على كره العرب، وعلى العنف والحقد ضدهم، وهذا الأمر لا يقتصر على المراحل الأولى في التعليم، بل حتى في المراحل الجامعية والمتقدمة.
لقد أدت مناهج التعليم في إسرائيل إلى تأجيج الصراع العربي الإسرائيلي، وأسهمت في زرع العنصرية المقيتة لدى الجانب الإسرائيلي، فهم يرون أن تعليم الدين اليهودي أفضل من تعليم الرياضيات وتصويرهم كشعب أرقى وأعلى من الشعوب التي تعيش حولها، بل وصنع رواية تاريخية خاصة بهم لتشكل عقول الأجيال الصغيرة الناشئة بالتشبث بالمكان، وتثبيت أحقيتهم في الأرض الفلسطينية.
وفي الجانب الآخر تطالب دول المعسكر الغربي الدول العربية بالذات وغير العربية التي تنتهج الإسلام بتخفيف حدة المناهج التي تهاجم إسرائيل، ولكنهم في المقابل وبجانبهم إسرائيل لا يكترثون لذكر العربي المسلم على غير ما هو في الواقع، فيصورونه بغير المتعلم والذي يعيش على ناقته وبين جواريه المتمتع بحياته، القاتل الذي يسبي الشقراوات، وليس لديه سوى النفط الذي تكمن فيه أهميته، وغيرها من المعلومات المغلوطة التي تؤجج الريبة والحقد لدى الآخر، وفي مقابل العرب وإسرائيل، فإنهم يظهرون حقدهم الدفين لكل ما هو عربي، فيكيلون المديح لكل إسرائيلي، وأنه المبادر بالصلح في مقابل الهمجية العربية، وأنهم الجانب الإيجابي في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يذكروا في مناهجهم أنها دولة محتلة اغتصبت الأرض، وأطبقت على أصحابها بالقوة سلباً وقتلاً وتدميراً.
اتضح لي الأمر كاستعراض قوة فقط، وهو كذلك طالما ارتضيناه واقعاً حقيقياً، حيث يُطلب منا تغيير مناهجنا، بينما مناهجهم في المقابل تعج بما يخدش سيرة العرب وتاريخهم، في حين أن مناهجنا تهاجم التطرف والغلو الذي تمارسه إسرائيل كدولة محتلة في القدس وفلسطين نجد الغرب وقد اتحد على مهاجمة العربي المسلم أينما كان، ففي مناهج دول أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وروسيا والهند وكوريا والبرازيل وطبعاً إسرائيل وغيرها نجد أن صورة العربي المسلم كإرهابي وقاتل هي الظاهرة التي تستقي منها أجيالهم مضامينها وطريقة تعاملاتها، وربما صفقاتها التجارية وسياساتها.
يبدو أنها حرب قديمة، وهي كذلك، لكنها لم تكن مع إسرائيل فقط، بل مع كل المعسكر الغربي الذي أراد التخلص من اليهود على أراضيهم لتحتضنهم فلسطين في فترة معينة من التاريخ، ثم تنمروا على أصحاب المكان فاحتلوه بنية مبيتة ووعد لهم بالتمكين، ليبدأ الصراع العربي معهم مجدداً، وهي فارقة تاريخية كان العرب فيها أضعف وأقل شأناً، وما زالوا، لكن الحقوق لا تضيع بالتقادم على أية حال.
وبناء جيل متصالح مع الآخر لا بد أن يقابله جيل من الجانب الآخر متصالح أيضاً غير حاقد، ويمكن بناء منهج متصالح من جانب واحد، لكن على القائمين عليه تقديم ما تضمه مناهج الآخر لو لم تتغير، وشرحه للأجيال، وهنا سنكون قد أسسنا منهجاً متوازناً بحيث أفرغنا مناهجنا من صور الحقد والكراهية التي يتشدقون بها، وفي الوقت نفسه قدمنا بدورنا توضيحاً مهماً لما تتضمنه مناهجهم من هذا الحقد، وهو أمر في رأيي لا يشوبه اختلال أو مغالاة، ومن ثم الأخذ بمتطلبات المنظمات التي تحارب الكراهية حول العالم حتى نتأكد من خلو كافة مناهجهم الرسمية وغير الرسمية من الغلو والتزييف.
أما كيف يمكن فعل ذلك، فلا بأس من تقديم مناهجنا لشروح ظاهرية غير مغالية لما يسمونه أرض الميعاد في مناهجهم، وكذلك شرح نظرتهم إلى العرب سواء الذين يعيشون بينهم أو الذين حولهم، والإتيان ببعض صور المغالاة الدالة على الحقد من مدارسهم الدينية والرسمية وشرحها لفهم النظرة فقط، وليس لمجاراة الأمر، أي النظرة من الأعلى كمتدبر بعد خضوع كل هذا إلى تعاليم وسور القرآن الكريم، لما يحدث في الأسفل، وعلى واضعي المناهج رسم الصورة النمطية المعروفة، ولكن ببعض القرائن العلمية والدينية المعتمدة على القرآن فقط.
ليس على اليهود أن يهمشوا تعاليم التوراة الحقة، وليس على المسيحيين أن يهمشوا تعاليم الإنجيل الحق، كما ليس على المسلمين أن يهمشوا سور القرآن الكريم أو تعاليم دينهم الذي ارتضاه رب العزة لجميع أصحاب الديانات منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام، فالرسل غير مختلفين، وكل رسول جاء ليكمل ما بدأه الآخر، إلا أن بعض الأتباع أرادوا شيئاً آخر واحتد الخصام بينهم وتفرقوا كل فرق كالطود العظيم.
لا بد من تحسين المناهج وإزالة كافة أشكال التشتت العالمي، ولا بد من توافق النظرات والعقول، ولا بد من توقف القتل لأن الأجيال القادمة ستكون هي الضحية، بل لا بد من تغيير خطاب الكراهية الإسرائيلي الذي يمارس منذ زمن بعيد إلى خطاب معتدل، ولا بد من الوقوف مع النفس والاعتراف أن هذه الأرض أرض عربية، وعلى اليهود أن يرتضوا حكم العرب لأن الحكم لصاحب الأرض والآخرين هم الأتباع، لا بد أن يرتضوا التبعية وأن يرحل الأجنبي بينما يبقى اليهودي المتجذر في هذه الأرض بعيداً عن الروايات التاريخية المغلوطة، والأطماع وافتعال المؤامرات والحروب التي لا طائل منها سوى التدمير، والأمر يبدأ من المناهج الدراسية النظامية الرسمية وغير النظامية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.