عندما يصبح مدربو كرة القدم فلاسفة

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/06 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/06 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
يورغن كلوب - shutterstock

من أبرز اللحظات التي تلت خسارة بروسيا دورتموند أمام ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا، كانت تلك التي شهدت تعاطف المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو مع إدين ترزيتش مدرب نادي بروسيا دورتموند الذي انكسر حلمه أمامه منذ دقائق، إذ عبر مورينيو عن مواساته بكلمات مؤثرة قائلاً:

"الوقت لا يُساعدك، سيبقى الأمر صعباً بالنسبة لك، سيستمر ذلك حتى نهاية مسيرتك، أو رُبما حتى آخر أيام عمرك، لكنك يجب أن تكون فخوراً بما حققته، لأنك قمت بعمل مذهل، وكمدرب لا يُمكنك فعل أكثر من ذلك. لا يُمكن للمدرب أن يُسجل، لا يستطيع إدخال الكرة في المرمى، لكن المدرب يستطيع تنظيم الأمور، المدرب بإمكانه رفع معنويات لاعبيه وإعدادهم ذهنياً للمباراة، وقد قام بكل ذلك فعلاً. المدرب لن يدخل إلى أرض الملعب ويسجل، وهذا ما افقتده بروسيا دورتموند، لكن منهجيتك كانت رائعة. لعبت بشجاعة، فقد نجح اللاعبون بالضغط عالياً عندما تطلب الأمر ذلك، ودافعوا بكتلة منخفضة عندما تطلب الأمر ذلك أيضاً. لقد تم محاصرة فينيسيوس ورودريغو طوال المباراة، لم يجدا مواقف واحداً ضد واحد، لأن التغطية الدفاعية كانت جيدة. لقد كان كل شيء مثالياً، إلا وضع الكرة داخل المرمى. لذلك كمدرب يجب أن تكون فخوراً بما حققته، لكنك لن تنسى، لن تنسى أبداً".

في آخر مقابلة له كمدرب لفريق ليفربول، شارك يورغن كلوب بعض الأفكار التي تمسك بفلسفة عميقة تتعلق بمسيرته الرياضية والتي تتجاوز إلى جوانب الحياة بشكل عام. هذه الأفكار تذكرنا بالكلمات التي كان قد عبر عنها جوزيه مورينيو لإدين تريزيتش بطريقته الفريدة. كلوب، بأسلوبه المميز ورؤيته الفلسفية، طرح مفهوماً ربما يتعدى حدود الملعب إذ يمكن لأي أحد منا في هذا العالم إسقاطه على حياته الشخصية بشكل أعمق، قائلاً: "المهم هو أن تقوم بعملك بأفضل ما يمكنك، باذلاً كل جهد ممكن لتحقيق النجاح. ومع ذلك، يجب أن تعي أن الجميع يسعون جاهدين كذلك. لا تُقاس قيمتك كإنسان بعدد البطولات التي تفوز بها، سواء كانت خمساً أو ستاً، بل بمدى حرصك ومدى سعيك لتحقيق الأفضل. هذا هو فهمي للحياة. أنا دائماً ما أكون شديد النقد لنفسي، لكن ذلك لا يشمل أبداً الجهد الذي أبذله؛ لأنني، بلا شك، أعطي كل ما لدي. ولذلك، أشعر بالرضا عن نفسي".

ربما فلسفة أو كلمات كلوب سمّها كما شئت، ليست جديدة لكن في عصر شديد السرعة والاستهلاك والإنجاز يتناسى أغلبنا هذه الرؤية الحياتية البسيطة. 

فلسفة مورينيو وكلوب لا تقل فِطنة واتِّعَاظاً من المحاضرة الصحفية التي قدمها بيب غوارديولا في الموسم الماضي بعد فوزه مباشرة على ريال مدريد في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا واقترابه من تحقيق اللقب حين قال: ‏"الفرق الكبيرة هي تلك التي تُقاتل على الألقاب حتى آخر رمق، أن تكون متواجداً هناك للمُنافسة حتى مايو أو يونيو. لا يُمكنك الفوز دائماً، لكن يُمكنك المحاولة".

ذكر الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي يوماً أن الألم حتمي، ومن الضروري أن نكون جديرين بآلامنا. بينما، رأى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور أن الشرط الأساسي والجوهري لسعادتنا هو "ما نحن إياه"، هو طبعنا أولاً وأخيراً، لأنه الذي يؤثر فينا على نحو مباشر وفي كل الظروف. لذلك إن ماهية الشخص تُسهم بالقسط الأوفر في سعادته مقارنة بآراء الآخرين فيه، أي ما يُمثله بأذهانهم وتقديراتهم.

وهذا ما يراه أيضاً المدرب الإيطالي روبيرتو دي زيربي عندما سئل حول أسلوب لعبه الذي يواجه انتقادات كثيرة، أجاب قائلاً: "لقد عشت على الحدود، ولكن على الحدود بين أن أكون في عالم كرة قدم كما أريده وأفعل ما أؤمن به بطريقتي الخاصة، أو لا أكون على الإطلاق. أنا أحب كرة القدم. لكن بطريقتي الخاصة".

وربما يمكننا أن نفسر تلك الفلسفة أكثر لا عن طريق كاتب أو فيلسوف ألماني، بل عن طريق مدرب تجربة إيطالي آخر وهو المدرب لوتشيانو سباليتي، فبعد عقود من مراوغة الألم كما كتب محمدي العلوي، شعر سباليتي بفراغ لأول مرة في مسيرته، بعد تحقيقه لإنجاز سيعيش إلى الأبد، عندما فاز بالسكوديتو مع نابولي إذ قال: "اعتدت على العمل والعمل فقط. لست معتاداً على الاحتفال، ولا أعرف كيف أحتفل. السعادة لحظة عابرة في هذه الحياة".

هذه الفلسفة ربما تتجاوز حدود الملاعب لتطال جوانب متعددة من الحياة، حيث تبرز الرغبة في البقاء على الحدود بين الكون كما هو والتمسك بما نؤمن به، فما يُبقي كلوب على قيد الحياة بعد خسارته نهائيين لدوري أبطال أوروبا، هو المصدر نفسه الذي يستمد منه غوارديولا شغفه بعد تحقيقه لقب البريميرليغ لأربع مواسم متتالية. وما يُبقي تريزيتش على قيد الحياة بعد إضاعته الدوري الألماني في الجولة الأخيرة ثم خسارته نهائي دوري أبطال أوروبا في الموسم الذي يليه، هو المصدر نفسه الذي يستمد منه لاعبو ريال مدريد شغفهم من أجل تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة عشر. 

إن الدافع الأساسي لكل هؤلاء هو تمثيل روحهم، سواء كانوا يرفعون الكأس ويشعرون بأن السعادة مجرد لحظة عابرة، أو عندما يخسرون ويدركون أن الوقت لا يخفف من آلامهم. إنها الرغبة في أن نكون على الحدود سواء في عالم كرة قدم أو خارجه، بين أن نرى العالم كما هو لكن نفعل ما نؤمن به بطريقتنا الخاصة، أو لا نكون على الإطلاق.

لأنه عند خط النهاية، عندما نرفع اللقب أو نمر بجانبه آملين أن نلمسه في العام المقبل، عندما يُصافحنا المنافس تقديراً لما حققناه أو مواساة لما أضعناه، في كلتا الحالتين، سينتهي بنا المطاف وحيدين، نتحدث مع أنفسنا، نحاول مراوغة ذلك السؤال الذي لا ينفك عن ملاحقتنا: "هل حاولت بشكل كافٍ؟ هل كنت أنا؟".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى فرحات
مدون رياضي
مدون رياضي
تحميل المزيد