يطل الصومال على خليج عدن في الشمال والمحيط الهندي في الشرق، ويبلغ طول ساحله البحري حوالي أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر تقريباً، بينما يطل اليمن على ساحلي البحر الأحمر والعربي بأكثر من ألفي كيلومتر. وعانى البلدان الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات العسكرية على الثروة السلطة. وكانت نهاية تلك الصراعات انهيار النظام السياسي في كلا البلدين مما انعكس سلباً على حياة المواطنين وجعل البلدين عُرضة للتدخلات الخارجية نتيجة لموقعهما الاستراتيجي الهام. ففي مطلع تسعينيات القرن الماضي سقط النظام السياسي الصومالي ومنذ ذلك الوقت والصومال يحاول الخروج من أزماته المتعددة ولكنه لم يستطع الخروج منها بشكل نهائي. ومع ذلك ما يزال يحاول جاهداً التغلب على مشاكله لبناء دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني واستعادة دوره السياسي والحضاري في المنطقة والعالم، إلا أنه كلما استقر الوضع وبدأت الدولة تفرض السيطرة، ظهرت التفجيرات الإرهابية لتضرب الأبرياء دون مراعاة لحرمة الأشهر الحرم، ولا لدماء الأبرياء- الذين يسقطون غالباً نتيجة لهذه الجرائم المروعة، حيث راح ضحية التفجير الإرهابي في العاصمة مقديشو الكثير من الأبرياء.
تشابه السيناريوهات:
بين عامي 1988-1990، تم إشراك كل الفصائل الصومالية مثل الجبهة الديمقراطية الصومالية للإنقاذ والحركة الوطنية الصومالية والمؤتمر الصومالي الموحد. ولكن، لم تستمر الحكومة كثيراً بل استطاعت المجموعات العشائرية القبلية الإطاحة بحكومة سياد بري. ومن ثم انزلقت البلاد في صراعات أكثر دموية اهتز لها العالم. ونتيجة لذلك الصراع الدامي نزح الأشقاء الصوماليون إلى دول الجوار ومنها إلى مختلف بلدان العالم واستقروا فيها. وما يزال حلم العودة إلى وطنهم يراودهم. وكاتب هذه السطور ما يزال يتذكر قصته مع شاب صومالي- ذكي في تخصصه، حينما سأله أثناء المحاضرة من أين هو: أجاب الطالب الصومالي: أنا من الصومال، ولدت في كندا، وعشت طفولتي في هولندا، وبعد ذلك انتقلت إلى مكة المكرمة، واليوم أدرس هنا في إسطنبول. وأردف قائلاً: أنا من الصومال، لكنني لا أعرف الصومال، ولكن حلم العودة إلى وطني يراودني كل لحظة. فحزّت عبارته في نفسي، وأدركت أن الحال من بعض كما يقول المثل الشعبي.
وحالياً، الصومال منقسم بين مجموعات عشائرية، وعلى الرغم من التدخلات الإفريقية لحفظ السلام، إلا أن أطماع دول الجوار والإقليم بشكل عام في خيرات وموقع هذا البلد ظهرت مؤخراً، سواء من خلال محاولات إفشال عمل الحكومة الصومالية، أو من خلال عقد اتفاقيات غير قانونية مع فصائل صومالية كما فعلت إثيوبيا مؤخراً، حيث اتفق رئيس أرض الصومال (غير معترف به دولياً) ورئيس الوزراء الإثيوبي على منح بلاد الأخير مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن.
وهذا الاتفاق هو اعتراف من قبل إثيوبيا بحكومة أرض الصومال، ولكن كان الرد سريعاً من الحكومة الصومالية الشرعية برفض هذه الخطوة. ولهذا، مثل هذه الاتفاقيات قد تعيد خارطة التحالفات على مستوى المنطقة مما يزيد من حالة التشظي واستمرار الصراعات المحلية في هذا البلد، حيث ستنقسم الدول إلى فريقين، الفريق الأول سيدعم الحركات الانفصالية من أجل الحفاظ على مصالحه، بينما ستعمل الدول التي لها علاقات رسمية مع الحكومة الصومالية المعترف بها دولياً على تعزيز علاقتها مع الحكومة للحفاظ على مصالحها. ولكن، مما لا شك فيه سيكون التنافس على أشده.
ولهذا، سيعزز هذا التنافس الإقليمي الانقسامات القبلية والجهوية بين الفرقاء الصوماليين، مما يجعل الحكومة الوطنية تواجه تحديات كثيرة على المستوى المحلي والإقليمي، وسيجعلها غير قادرة على مواجهة القوى الإقليمية الكبيرة نظراً للفارق في الإمكانات وغير ذلك. وفي هذا السياق، يمكن القول إن البلاد لن تستقر. وهذا يعني أيضاً أن الدول المتدخلة في الشأن الصومالي ستغرق في مستنقع الصومال، ولن تنجح في تثبيت مشاريعها على حساب مصالح الشعب الصومالي العليا.
وما يحصل في اليمن ليس ببعيد عن السيناريو الصومالي، فحينما تم إشراك جماعة الحوثي في السلطة في نهاية 2014، بموجب اتفاق السلم والشراكة، إلا أنّها سرعان ما أطاحت بالحكومة وسجنت رئيس الدولة والوزراء. ومنذ ذلك الحين دخلت البلاد في صراعات عسكرية مما عمّق الانقسام على أسس مناطقية ومذهبية. وعلى الرغم من تدخل دول الجوار العربي بقيادة السعودية والإمارات، إلا أن نتائج التدخل كانت عكسية، حيث عزز هذا التدخل من الانقسام الكبير وتفكيك الجغرافيا السياسية اليمنية وإضعاف الكيان القانوني للدولة اليمنية. وبدلاً من دعم مؤسسات الدولة لاستعادة زمام المبادرة فقد تم دعم مجموعات قبلية وجهوية ومناطقية على حساب الدولة الوطنية، حيث تم إنشاء كيانات كثيرة. على سبيل المثال، يوجد في منطقة المخا على ساحل البحر الأحمر مجموعات المقاومة الوطنية المدعومة إماراتياً بقيادة نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح- الذي قتله الحوثيون في نهاية 2017 مع أنه كان شريكاً لهم في سلطة الأمر الواقع الحوثية في بعض المناطق الشمالية.
وفي جنوب البلاد، توجد قوات المجلس الانتقالي- حركة انفصالية تسعى إلى إقامة دولة مستقلة على حدود ما قبل 1990، وهي مدعومة إماراتياً، بالإضافة إلى المجموعات السلفية (قوات العمالقة)، وكذلك النخب الأمنية المنتشرة في شرق وجنوب البلاد. وعلى الرغم من مشاركة المجلس الانتقالي في مجلس القيادة الرئاسي- الذي شكله التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في 2022 من الفصائل المعارضة لجماعة الحوثي، إلا أنّه لا يزال متمسكاً بمطالبه الانفصالية. ومن خلال تشكيل عدة مجالس وطنية مؤخراً سواء في حضرموت أو شبوة يتضح أن مشروع الانتقالي غير مرحب به في أجزاء واسعة من شرق اليمن، مثل المهرة وحضرموت وشبوة. وهذا هو التحدي الأكبر أمامه لتحقيق حلمه.
ولهذا، يمكن القول إن الصراع في اليمن أكثر خطورة على مستقبل البلد؛ نظراً لوجود عدة عوامل متشابكة سواء المحلية مثل الصراع المناطقي والمذهبي، أو الصراع الحاد بين الدول الإقليمية مثل الصراع السعودي- الإيراني على النفوذ، ناهيك عن العامل الدولي- الذي يسعى لفرض السيطرة الأمنية على البحرين العربي والأحمر. علاوة على ذلك، تعتبر الصراعات المذهبية والمناطقية أشد خطورة على السلم الأهلي ومستقبل البلد السياسي بشكل عام. بينما في الصومال لا توجد صراعات مذهبية، بل يوجد تسابق على النفوذ والمصالح بين العشائر والقبائل، مما يعني أن الصراع أقل خطورة.
ختاماً، لا يمكن للوضع أن يستقر في هذين البلدين الشقيقين والجارين إلا بتخلي الدول التي لها أطماع غير مشروعة عن أجندتها ودعمها للفصائل الانفصالية. وفي حال تحقق ذلك، فيمكن التغلب على المشاكل وبناء نظام سياسي قوي يستطيع أن يبسط سيطرته على الأرض ويعيد للدولة هيبتها. ولهذا، يجب أن تتكاتف الجهود بين حكومتي الصومال واليمن للبحث عن حلول لهذه الأزمات من خلال التنسيق الكامل والسعي للحصول على دعم دولي وإقليمي للتغلب على هذه التحديات. ومن وجهة نظر كاتب هذه السطور، فإن الصومال وباقي دول القرن الأفريقي هي العمق الاستراتيجي لليمن، وليست دول الجوار العربي. ولهذا، يجب التنسيق مع هذه البلدان وعلى رأسها الصومال بما يعود بالنفع على الجميع، ولمواجهة الأطماع الإقليمية التي ألحقت الدمار والخراب بكلا البلدين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.