في ليلة مثل كل ليالي نهائيات بطولة دوري الأبطال الذي يكون فريق ريال مدريد طرفاً فيها، دوَّن الفريق فصلاً جديداً من فصول هيمنته الكروية على القارة، مؤكداً سيطرته على الساحة الأوروبية بفوز كان يتوقعه الجميع على بوروسيا دورتموند بنتيجة هدفين دون رد.
منذ انطلاق دوري أبطال أوروبا في عام 1992، وريال مدريد يُظهر جلياً علو كعبه في هذا المحفل الكبير، حيث خاض 9 مباريات نهائية ضد 6 فرق مختلفة، ولم يسمح للهزيمة أن تُعكر صفو احتفالاته حتى ولو مرة واحدة. الفريق الملكي، الذي تغلب على عمالقة مثل يوفنتوس مرتين، وأتلتيكو مدريد مرتين، وليفربول مرتين، بالإضافة إلى فالنسيا وباير ليفركوزن والآن بوروسيا دورتموند، يُثبت أنه الحصن الذي لا يُهزم في نهائيات الألقاب الكبرى.
وعلى الرغم من التفاوت في المستويات والنتائج خلال النهائيات التسعة، فإن ريال مدريد لطالما أنهى المعترك متوجاً ومحتفظاً بلقب أبطال أوروبا، ومنقوشاً اسمه على كأس الأبطال. وربما يعتري الفوز ظلال من الجدل، كما حدث في نهائي عام 1998 ضد يوفنتوس، حيث أحرز مياتوفيتش هدفاً غير شرعي شكل نقطة تحول في مسار اللقاء، أو عبر ركلات ترجيح كتلك التي شهدتها مواجهة 2016 ضد أتلتيكو مدريد. في هذه اللحظات، يبدو أن مسار اللعبة ينحسر ليترك المجال للتكتيك والحظ ليقولا كلمتهما.
لكن، سواء كان ريال مدريد متقدماً أو متخلفاً في النتيجة، وسواء كان الطرف المرشح للفوز أو المنافس المستبعد، فإن كل هذه التفاصيل تُنسى عندما تهدأ صافرة النهاية ويصعد قائد ريال مدريد لاستلام الكأس ذات الأذنين، ليؤكد النادي الملكي مرة أخرى على هيمنته الأوروبية.
في عالم كرة القدم، حيث تتقلب الأقدار وتتغير الموازين بلمح البصر، يظل القدر يبتسم لريال مدريد فلا تعتريه الهزائم في نهائيات دوري أبطال أوروبا. فمنذ انطلاق المسابقة في عام 1992، يقف النادي الملكي وحيداً كبطل لا يُهزم في النهائيات، متفرداً بسجل ناصع لم يشهد أي خسارة في أقصى درجات المنافسة الأوروبية.
في المقابل، تتلون تجارب أبرز أندية أوروبا الكبيرة بنكهات مختلفة من النجاح والفشل. فبرشلونة، على سبيل المثال، تعثر في نهائي العام 1994، بينما عانى أي سي ميلان، بفريقه الأسطوري، من الهزيمة في ثلاثة نهائيات. ولعل جوفنتوس يمثل أبرز الأمثلة على الإخفاق في المواعيد الكبرى، حيث خسر خمسة نهائيات. حتى إنتر ميلان، لم يسلم من خسارة النهائي. كذلك الأمر بالنسبة لأندية إنجليزية كبرى مثل مانشستر يونايتد، ليفربول، تشيلسي، ومانشستر سيتي، وحتى العملاق البافاري، بايرن ميونيخ، كلها عاشت لحظات من الانكسار في النهائي الأوروبي.
في بطولة دوري أبطال أوروبا، التي تشبه مساراً مليئاً بالتقلبات والمنعطفات الحادة، يبدو ريال مدريد كالبحّار الذي يجيد التعامل مع العواصف العاتية. فقد يعاني الفريق الملكي من الانتكاسات خلال دور المجموعات أو الأدوار الإقصائية، وقد يظهر بمظهر الفريق الهش الذي يمكن هزيمته أمام أي خصم، مهما كانت إمكانياته الفنية أو البدنية. حتى في الموسم الحالي، كان ريال مدريد على شفا حفرة من الهزيمة في معقل بايرن ميونيخ، الخصم العنيد والشرس.
ولكن، وكأنه قدر محتوم، عندما يخطو الفريق الملكي إلى أرض الملعب في النهائي، تصبح هزيمته وفكرة ثنيه عن إحراز اللقب مستحيلة. هناك، في تلك الأمسيات التي اعتاد أن يكتب فيها ريال مدريد تاريخة، يُصبح ريال مدريد فارساً لا يُهزم، حيث تبدو مهمة قهره أقرب إلى المستحيل. هذه الحقيقة، التي تكررت خلال تسع نهائيات، ليست مجرد صدفة بل هي تأكيد لاستراتيجية وثقافة كروية كبيرة.
تحولت استراتيجية الفرق الأوروبية في دوري الأبطال إلى محاولة الإطاحة بريال مدريد في مراحل المسابقة المبكرة، وذلك بعد أن أدركت أن مواجهته في النهائي تعني غالبًا الخسارة. إذ برهنت أحداث السنوات الأخيرة، كما في مواجهة ريال مدريد مع مانشستر سيتي عام 2023، على أهمية القضاء على آمال النادي الملكي قبل الوصول للمباراة الختامية.
في الدور الثمن النهائي أو الربع النهائي وحتى النصف النهائي، يظهر ريال مدريد أحيانًا تراخيًا قد يسمح للخصوم بالتغلب عليه، كما كان يمكن أن يحدث في مواجهته الحاسمة ضد لايبزيغ في الموسم الحالي. ولكن، عندما يصل الفريق إلى النهائي، يتبدل الحال تماماً؛ حيث يبذل ريال مدريد جهداً مضاعفاً للحفاظ على كبريائه ومنع تحوله من ملك إلى وصيف.
في النهائيات، يُظهر النادي الملكي خبرة وثقة فائقة قادرة على تجميع قواه وتوحيد صفوفه لتفادي الهزيمة، كما حدث في نهائيي 2014 و2016 ضد أتلتيكو مدريد، حيث بلغ الفريق حافة الخسارة لكنه عاد وحقق الفوز في النهاية. هذه الظاهرة لا تعكس فقط الخبرة والمهارة الفنية، بل تُبرز أيضاً ثقافة الانتصار التي يتمتع بها النادي في المباريات الحاسمة، وهو ما يجعل الفوز على ريال مدريد في النهائيات مهمة تحمل طابع المستحيل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.