يساعد حفظ الشعر في زيادة القدرة اللغوية لدى لأطفال؛ إذ لا يساعدهم في تعلم نطق الكلمات فحسب، بل يُنَمِّي إحساسهم بدقائق اللغة كذلك، وهو أمر لا غنى عنه لهؤلاء الأطفال حتى يستمروا في التحدث والكتابة والقراءة بسهولة.
قد يتخيل البعض أن المقولة أعلاه مقتطفة عن أحد محبي حفظ ونقل التراث العربي (وخاصة التراث الديني الإسلامي)، لكن الحقيقة أنها مقتطف من توصية صادرة عن جمعية منسا الدولية، وهي جمعية لا ينضم إليها غير العباقرة من مرتفعي نسب الذكاء، وتنتشر فروعها في 80 دولة حول العالم، ويزيد عدد أعضائها عن 100 ألف. ولو كانت المقولة أعلاه قد قال بها أحد العرب، لربما هاجمه كل من قرأها ممن يَحْسَبُون أنفسهم مثقفين، حتى وإن لم يكن نصيبهم من الثقافة غير المعلومات العامة. لكن بما أن المقولة هذه صادرة عن جمعية معتبرة ولها وزنها العلمي، فمن الجدير أن نناقشها.
هل للحفظ بشكل عام فوائد؟
صحيح أن المقولة أعلاه تشمل فوائد حفظ الشعر فقط، إلا أن للحفظ بشكل عام فوائد جمة، ومنها تحسين الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى، مما يساعد في الكفاح ضد الخرف (المعروف بشكل غير دقيق باسم ألزهايمر). ويساعد الحفظ كذلك في الاحتفاظ بالمعلومات الهامة مثل المعادلات والقوانين الرياضية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأبيات الشعر، مما يساعد في سرعة استرجاع هذه المعلومات والبناء عليها في تطوير مهارات الكتابة والإلقاء والإقناع وزيادة الإنتاجية في أعمال كثيرة مثل الترجمة والتدريس والخطابة والمحاماة، وكل هذه المهارات تزيد الثقة في النفس لدى من يتقنها وتجعل غيره ينبهر به حتى إنها تصبح بوابة للتعارف وربما الصداقة لدى من يتشاركونها.
ماذا نحفظ؟
هذا السؤال في رأيي هو لب الاختلاف بين مؤيدي الحفظ ومعارضيه. وربما لو قرأ كل من وقفْتُ أمامه مدرساً أن يستغرب ما كتبتُه عن فوائد الحفظ أعلاه، لأنني من أشد الكارهين للحفظ إذا لم يوضع في موضعه الصحيح، وأحذر طلابي دائماً من الاعتماد عليه.
فالحفظ، لا شك، عبء كبير على الذهن ويسبب إرهاقاً عاماً على الجسم كافة؛ ولذا، فمن غير المعقول أن نطالب الطلاب والتلاميذ بشكل خاص بحفظ كل شيء كما يحدث. ولا يوجد دليل على هذا أقوى من كراهية طلاب مصر طولاً وعرضاً لمقررات الدراسات الاجتماعية التي تصاغ امتحاناتها غالباً على معلومات من بين السطور ولا سبيل للإجابة عليها إلا بحفظ كل حرف في المقرر، بما في ذلك أسماء الملوك والحكام والأماكن الجغرافية من دول وعواصم وأقاليم وتواريخ ميلاد ووفيات وحروب وغزوات وأسباب ونتائج، إلخ.
ولذا، أرى أن نركز على حفظ الأشياء المهمة فقط، وهي كل ما لا تسير الأمور بدونه. فكيف لا يحفظ طالب يريد حل مسألة رياضية قانوناً رياضياً صغيراً، أو لا يحفظ خطيب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ينوي إدراجها في خطبته؟ حتى ولو افترضنا أن أياً من هؤلاء (أو غيرهم في مواقف مشابهة) سيلجؤون إلى كتابة ما ينبغي عليهم حفظه، فربما ينسون الورق أو الأجهزة الإلكترونية التي يدونون عليها، مما قد يعرضهم للإحراج حال أداء وظائفهم ويُفْقدهم الثقة بأنفسهم ويَفقد جمهورُهم ثقتَه فيهم كذلك.
خلاصة القول: الحفظ مهارة حياتية لا غنى عنها، ولها فوائد صحية ووظيفية واجتماعية كبيرة، وإهمال تنمية هذه المهارة خاصة لدى صغار السن جُرْمٌ كبير، كما أن إهدار الجهد على ما لا يستحق الحفظ إرهاق ذهني وبدني سيؤدي حتماً لكراهية الحفظ بالكلية. فيا ليتنا نستدرك ونطلب الحفظ حيث ينفع، ونستغني عنه حيث يضر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.