لقد بات المشهد أكثر صعوبة، إسرائيل تقترح وترفض في نفس الوقت والمقاومة تريد ضمانات بوقف إطلاق نار، والإدارة الأمريكية تريد الوصول إلى وقف إطلاق نار، جملة من التناقضات تحدث بالمفاوضات، ولا طريق إلى نهاية حتمية ينتج عنها مسار معروف٬ أين نحن الآن؟ ما الذي يجري؟ وهل إسرائيل في مسار إجباري لإنهاء الحرب؟
لعل ما يجري هو نهاية حرب ضروس حرقت الأخضر واليابس تبعاً لمجريات الأحداث علي أرض الواقع، لو نظرنا إلى تحركات الولايات المتحدة وحلقة الأوامر التي تدور على الأطراف سنجد أننا في مرحلة متقدمة من رغبة المجتمع الدولي بإنهاء الحرب الإسرائيلية علي غزة، بعد أن دامت لأكثر من 8 أشهر، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: التوتر الإقليمي الذي خلقته إسرائيل خلال الـ8 أشهر بات يدحرج المنطقة نحو حرب إقليمية، وفي حين أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر حليف وداعم لإسرائيل، إلا أنها باتت في موضع المدافع العملي أيضاً، ومشاركة بشكل جزئي في هذه الحرب، من الناحية العسكرية، وبالتالي التصعيد التي تشهده إسرائيل من عدة جبهات بات يشكل خطراً كبيراً عليها، وحجم التغطية الدفاعية، للولايات المتحدة لا يمكن له استيعاب القدرة الصاروخية لكل الجبهات المفتوحة مع إسرائيل، ما سيجعلها في موضع المواجهة المباشرة أيضاً، هذا بحد ذاته لا تريده الولايات المتحدة، وهي لا تريد أن تخوض حرباً قد تصبح بها القواعد الأمريكية معرضة لضربات صاروخية وهذا سيفقدها جزءاً من قوة ردعها وبالتالي سينهكها اقتصادياً وعسكرياً، بالتزامن مع دعم إسرائيل الذي يأخذ من قدراتها الدفاعية ويقلل من مخزونها العسكري.
أمريكا تريد أن توصل إسرائيل بالشرق الأوسط دون عراقيل وقيود تفشل خطتها اتجاه تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تشهد الإدارة الأمريكية جملة من الاعتراضات من قبل الشارع الأمريكي، بسبب دعمها للحرب على غزة وتزويد إسرائيل بأسلحة استخدمت بقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وعلى الصعيد الأخر جملة الاستقالات من قبل أفراد من الجيش الأمريكي أثر بالكثير من مواطني الولايات المتحدة الذي شكل بالإيجاب للمظاهرات الداعمة لفلسطين بأمريكا، وبينما يتغنى بايدن في إدارته وديمقراطيته، اليوم هو في موضع التناقض مع ذاته والتشابه بينه وبين خصمه الرئيس الأسبق دونالد ترامب، وقد نجد بالآونة الأخيرة أن أصوات الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس)، بدأت تبدي اعتراضها على الكثير من الدعم الأمريكي للأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة لإسرائيل، ولذلك بايدن يجد نفسه بين نارين، الشارع الأمريكي الذي ينظر له بأنه متورط في قتل الفلسطيني، وبين اللوبي الصهيوني وضغطه عليه لمواصلة دعمه لإسرائيل.
ثانياً: عدم انصياع إسرائيل لتحذيرات الولايات المتحدة، جعل الإدارة الأمريكية في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، وكما يقال "خروج البنت عن طور أبيها"، وهذا باعتقادي وجه الشبه للخلافات التي تحصل الآن بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وللمقاربة أكثر، بايدن حذر إسرائيل من الشروع بعملية عسكرية برفح، إلا أن نتنياهو أصر عليها وشرع بها، وأيضاً حذرت الإدارة الأمريكية من قتل المدنيين وبالتالي إسرائيل ارتكبت مجزرتين في رفح، وآخرها إسرائيل تقدمت بورقة للشروع في صفقة تفاوض على الأسرى مع حركة حماس، إلا أنها وبعد أن نظرت حركة حماس للورقة بشكل إيجابي، تحاول إسرائيل التنصل من الاتفاق بعدم تطابق الشروط التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن وحث حماس على الموافقة عليها، كل ذلك زرع خيبة أمل من قبل الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل.
ثالثاً: نحن أمام توسع للحرب وضغوطات دولية وبدء عزلة دولية لإسرائيل، وربما عقوبات اقتصادية تلوح بالأفق من قبل عدة دول، وأيضاَ تغيير بالموقف الداعم من الاتحاد الأوروبي، إلى أكثر انتقاداً، وآخرها اعتراف نرويجي إسباني أيرلندي بالدولة الفلسطينية، كل ذلك دعم الموقف الفلسطيني، أمام المحافل الدولية، وفتح للفلسطينيين أفقاً جديداً، وهذا ما لا تريده إسرائيل.
رابعاً: الجيش الإسرائيلي بات يُستنزف ويحارب بدون خطط وبدون هدف، فالهدف الأسمى لنتنياهو لم يتحقق في تدمير قدرة حماس، وبالعكس الجيش الذي دخل لتحرير أسراه وقع بين أسير وقتيل وجريح، وبالتالي وقع في عش الدبابير، وكل يوم يشهد العديد من العمليات النوعية، التي أنهكته وقضت على الكثير من ضباط الجيش ذوي الخبرة، والقيادات في كتيبة جولاني، غير أن الاقتصاد الإسرائيلي وصلت خسائره فوق الـ70 مليار دولار، بينما بالوقت ذاته تعج الشوارع الإسرائيلية بالكثير من المظاهرات لأهالي الأسرى المتواجدين لدى المقاومة، يطالبون بعقد صفقة لتحرير أبنائهم، هذا أيضاً يشكل ضغطاَ على نتنياهو.
الخلاصة: اليوم أمريكا تقول بأنه حان لهذه الحرب أن تنهي، خصوصاً بعد أن دعمها المجتمع الدولي ورحبوا بها، وهي ورقة قدمت من إسرائيل بالأساس، لكن نتنياهو يحاول التهرب منها، وأعتقد أن جهود إفشال الورقة من قبل الحكومة الإسرائيلية لن تنجح وستوقع إسرائيل مرغمةً عليها، لأن حركة حماس نظرت لها بالإيجاب وتقارب وجهات النظر بين الطرفين سيعني نجاح المفاوضات، وهذا ما يريده المجتمع الدولي بإنهاء الحرب، لأنه سيعيد الاستقرار للمنطقة، بالمقابل سيتم اقتراح حلول للقضية الفلسطينية، حتى تخمد أي حرب ممكن أن تشتعل مستقبلاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.