"المتعاطف المظلم" مصطلح نسبي، يمكن اعتباره توليفة استفزازية من البصيرة النفسية والثَّقافية والأخلاق، من خلال هذا المصطلح، وهو عبارة عن اندماج متناقض بين التعاطف وسمات الشخصية المظلمة، ربما نستكشف أسئلة فلسفية أعمق حول طبيعة التفاعل الإنساني والأخلاق والذات.
غالباً ما يُنظر إلى التعاطف، الذي يُنظر إليه تقليدياً على أنه القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتهم مشاعرهم، على أنه حجر الزاوية في السلوك الأخلاقي والسلوك الاجتماعي الإيجابي، وقد أثنى الفلاسفة من أرسطو إلى علماء الأخلاق المعاصرين على فضائل التعاطف في تعزيز الترابط بين أفراد المجتمع، ومع ذلك، فإن ظاهرة التعاطف المظلم تعقد هذه الصورة الحميدة، مما يشير إلى أن التعاطف يمكن أن يُستخدم كأداة للتلاعب بدلاً من التفاهم المتبادل.
فبينما يُظهر المتعاطفون المظلمون مستويات عالية من التعاطف، يقرنون ذلك بسمات مرتبطة بما يسمى "الثالوث المظلم" – النرجسية والميكافيلية والاعتلال النفسي، هذا الاندماج يمكّنهم من قراءة مشاعر الآخرين واستغلالها مع الحفاظ على قشرة من الجاذبية والتفاهم، إن وجود مثل هؤلاء الأفراد يتحدى الثنائية التبسيطية التي تعتبر التعاطف أمراً جيداً بطبيعته وغيابه أمراً سيئاً بطبيعته.
من وجهة نظر فلسفية، يثير التعاطف المظلم أسئلة أخلاقية مهمة، فالنظرية النفعية، وهي النظرية الأخلاقية التي تفترض أن تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس هو الهدف الأخلاقي الأسمى، يجب أن تتعارض مع قدرة أصحاب المشاعر المظلمة على التلاعب بالنتائج لصالحهم، وربما على حساب الرفاهية المجتمعية الأوسع. وعلى الرغم من أن أفعالهم قد تبدو حميدة أو حتى مفيدة ظاهرياً، إلا أنها قد تخدم غايات ذاتية تضر بالآخرين في نهاية المطاف.
وعلى النقيض من ذلك، تقدم الأخلاق، التي تؤكد على الالتزام بالواجبات والمبادئ الأخلاقية بغض النظر عن النتائج، نقداً مختلفاً. إذ ينتهك سلوك المتعاطفين المظلِمين الحتمية الكانطية لمعاملة الآخرين كغاية في حد ذاتها وليس كمجرد وسيلة لتحقيق غاية، إن لطفهم السطحي يخفي تجاهلاً جوهرياً للقيمة الجوهرية للآخرين، ويختزل التفاعلات الإنسانية إلى مجرد أدوات لتحقيق مكاسب شخصية.
يمكن تطبيق رؤى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه حول الطبيعة البشرية لفهم ديناميكيات التعاطف المظلم. فعلى سبيل المثال، مفهوم "إرادة القوة" الذي صكه نيشته يشير إلى أن الأفراد مدفوعون بحاجة متأصلة لتأكيد وتعزيز قوتهم، وربما هذا يتوافق مع الميول التلاعبية للمتعاطفين المظلمين. إذ يستغل هؤلاء الأفراد مهاراتهم التعاطفية للسيطرة على الآخرين والتأثير عليهم، وبالتالي تحقيق رغباتهم الخاصة في السلطة والهيمنة.
وعلاوة على ذلك، فإن نقد نيتشه للأخلاق التقليدية – التي اعتبرها أداة للضعفاء لتقييد الأقوياء – يوازي كيف يمكن أن يرفض المتعاطفون المظلمون القيود الأخلاقية التقليدية لصالح إطار أخلاقي أكثر خدمة للذات، إنهم يجسدون شكلاً من أشكال "التغلب على الذات" وإن كان بطريقة منحرفة، مستخدمين فهمهم للعواطف الإنسانية ليس لأغراض مجتمعية أو إيثارية، ولكن لتحقيق مكاسب شخصية، سطوة ونفوذ.
ربما يدفع وجود هذا النوع من التعاطف المظلم إلى التأمل في طبيعة الذات والأصالة، فحتى الفلاسفة الوجوديون مثل جان بول سارتر ومارتن هايدغر على أهمية العيش بأصالة – أي التصرف وفقاً للذات الحقيقية بدلاً من الامتثال للتوقعات الخارجية، ومع ذلك، يجسد المتعاطفون المظلمون عدم الأصالة الجذرية، إن براعتهم في عكس مشاعر الآخرين والتلاعب بها هي شكل من أشكال سوء النية، ورفض مواجهة الذات الحقيقية والتعبير عنها.
ولا يؤثر هذا الوجود غير الأصيل على علاقاتهم فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تآكل إحساسهم بهويتهم. وبتبنيهم المستمر لشخصيات مختلفة لتتناسب مع أهدافهم التلاعبية، قد يجد المتعاطفون المظلمون أنفسهم هائمين على غير هدى، منفصلين عن أي شعور مستقر بالذات، وهذا يثير السؤال: هل يمكن تحقيق الإنجاز الحقيقي أو السعادة الحقيقية من خلال هذا الخداع؟
أخيراً، يمكن النظر إلى ظاهرة التعاطف المظلم على أنها انعكاس للقيم المجتمعية السطحية الاستهلاكية السائدة في العالم، ولعل ذلك، يبرر قلة تعاطف الناس مع المشاكل والقضايا الكبرى والحروب التي لا تجد سوى أصحاب الأصالة الداخلية يتمسكون بها إيمانا بالعدالة والقيم، بينما يميل السطحيون ويحاول المنتفعون الاستفادة منها، أو المتعاطفون المظلمون، والذي يمكن تشبيههم بالسياسيين الدهاة الذين ينجحون دائماً فى إخفاء مكائدهم القذرة للوصول إلى مبتغاهم، إذ يسخرون إمكانيتهم لتسليع التعاطف وتسليحه، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى فهم أعمق وأكثر دقة لهذه السمة المعقدة.
علاوة على ذلك، فإن التعاطف المظلم هو بمثابة إشارة تحذيرية حول حدود التسميات النفسية وخطر الإفراط في التبسيط في فهم السلوك البشري. وبينما يساعد المصطلح على تحديد نمط السلوك المثير للقلق، فإنه يخاطر أيضاً بإضفاء الطابع المرضى على الاختلافات الطبيعية في التفاعل والعاطفة الإنسانية.
ربما يشير مفهوم التعاطف المظلم لنا على إعادة النظر في افتراضاتنا حول التعاطف والأخلاق والذات، إذ يتحدانا أن نفكر بشكل نقدي في كيفية فهمنا وتقديرنا للذكاء العاطفي، ويحثنا على اتباع نهج أكثر فطنة في كل من البصيرة النفسية والأخلاق الفلسفية. وبينما نحن نبحر في هذه المتاهة الأخلاقية، تقف شخصية المتعاطف المظلم كرمز معقد للتفاعل بين النور والظل داخل النفس البشرية، وتذكرنا بالطبيعة العميقة والمتناقضة في كثير من الأحيان لحياتنا العاطفية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.