كيف حال إيمانك يا عزيزي؟ خاصة في ظل هذه الأحداث التي تفتك بالمؤمنين؛ كأنهم على باطل لا على الحق؟!
المشكلة معنا بني البشر أننا نريد كل شيء عاجلاً بلا تعب وأي تضحيات، ندعو الله أن يحرر الأقصى وأن يبعد عنا هذا العدو الغاصب، وما أن استجاب بتوفيقنا إلى اتخاذ أسباب النصر، حتى انهالت علينا هذه الأفكار السطحية والتساؤلات البلهاء: ألسنا على الحق؟ فلماذا لا ينصرنا الله؟ ولماذا كل هذا التنكيل والتعذيب والفتك، وقد اتخذوا كل أسباب النصر؟ أما آن لله أن يأذن بالنصر؟!
الأمر حتماً ليس بهذا البساطة، إن النصر نبتة ترويها دماء الشهداء، والتمكين لن يأتي إلا بالتضحية وتقديم الغالي والنفيس.
ماذا كنت تتخيل؟! أن نصحوا يوماً لنرى الأقصى بلا غاصـبين؟ أو أن فلسطين قد عادت إلى أبنائها باستجابة الله لدعائنا، أو لربما بعض أغانٍ واهية باتت كمخدر يتلقاه الجريح لينسى ألم الجرح.
نصر كهذا لا يأتي إلا في "أحلام العصرية" عزيزي، وما أن تستيقظ حتى تعلم كم المهانة التي كنّا فيها.
الموت في حقيقة الأمر هو سنة الله في هذه الأرض، وهو قادم لا محالة، ألم ترَ ذلك الوباء الذي انتشر في أرجاء العالم قبل سنوات، وكم أودى من حياة دون أن يأبه بعمر أو جنس؟
لكن شتان أن تموت خائفاً من فيروس لا يُرى بالعين المجردة، أو أن تموت بين أحبابك مستلقياً على فراش ناعم، وبين أعزل يقف شامخاً في مواجهة الأسلحة الفتّاكة، لن تتساوى النهاية رغم أن الموت واحد.
أنا لا أقول والعياذ بالله إنه لا مشكلة في الموت والأعداد المهولة من القتلى والجرحى، ما أقوله هو أن الله عزيز حكيم، يعلم كيف يبطش ومتى يأتي بالنصر.
ألم ترَ حكمة الله في تأخير النصر صدقاً؟! ألم ترَ كم الأوجه التي كنا نعدها في ذات الركب معنا وما أن طال الأمد حتى كشفت عن خستها ودنائتها، ألم تر كم مسخاً راح يلهو ويرقص متعللاً بأن القضية لا تخصه، فأصبح منسلخاً من عرقه ودينه وإنسانيته؟
أعتقد أن من حكمة الله أن تطول الأزمة لتنكشف الوجوه، وأن نعلم أننا أمام عدو خاوٍ، أكذوبة "خيال مآتة" أوقع به صبي ذو حذاء بسيط.
كانت حكمة الله أن يخرج جيلٌ يعلم أن الأقصى لنا، وأن الفلسطينيين لم يبيعوا يوماً أرضهم.
كانت حكمة الله أن يموت "حمزة ذو الوجه الحسن، وريما ذات الروح المرحة" لتنير قصتهما بقاع الأرض دون أن يصدها أحد، كانت حكمة الله أن يغر بني صهيون بطشهم، فراحوا يرتكبون المجازر والمحارق ليُظهروا للعالم أجمع وحشيتهم التي يخفونها في مدامعهم المزيفة.
من كان يتخيل أن تعج أمريكا وأوربا، وبريطانيا خاصة بكل هذا التأييد للفلسطينيين؟!
إنها أسباب الله يسخرها للتأييد والتمكين، لقد اقتضت حكمته أن يطيل الأمد فيكشفنا جميعاً أمام أنفسنا، فإما أن تكون أول الركب مع الكرام البررة، أو دونهم ممن ركنوا إلى مزابل الدنيا فراحوا كالأنعام يطلبون جودة المنتج الذي لا يستطيعون مفارقته، أو أن تكون مثلنا نجاهد بما نملك، نجاهد بإيماننا أن النصر مهما طال سيأتي، نجاهد بحسرتنا وانفطار قلوبنا، نجاهد بأموالنا التي لا تساوي جناح بعوضة، ونحن في هذا كله على أمل في رحمة الله الواسعة وسلطانه العزيز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.