عن المشاهير والمسؤولية الاجتماعية.. كيف نختار من يؤثر فينا؟ 

تم النشر: 2024/05/30 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/30 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
تعبيرية - shutterstock

باتت الشهرة اليوم طموحاً للكثيرين، فمن منا لا يرغب في أن يصبح مشهوراً ويشار إليه بالبنان؟! ولكن هذا الشعور الجذاب ربما يتناسى البعض أنه يتطلب تحمل العديد من المسؤوليات تجاه الجمهور والمجتمع بأسره.

ببساطة يمكن وصف الشُهرة كحالة من الانتشار الواسع التي يصل إليها الفرد نتيجة لأسباب عديدة ومتباينة، فأحياناً لإنجازاته أو أعماله أو صفاته الشخصية. وعلى الرغم من أن الشهرة قد تجلب معها فوائد كثيرة مثل الثروة والمكانة الاجتماعية والفرص الواسعة، إلا أنها تأتي أيضاً مع مسؤوليات كبيرة.

فعندما يصل الفرد إلى الشهرة، يُنظر إليه كقدوة ومثال يحتذى به. إذ يمتلك المشاهير حينها أدوات وقدرة على المساهمة في تشكيل آراء وتصرفات العديد من الأفراد الآخرين، سواء بشكل مباشر من خلال منشوراتهم وتصريحاتهم، أم بشكل غير مباشر من خلال نمط حياتهم وقراراتهم التي يستعرضونها أمام الناس بين الحين والآخر.

أحد أبرز جوانب مسؤولية الشهرة هو أن الأشخاص المشهورين يُنظر إليهم عادة كقدوة من قبل جمهورهم، وخاصة الشباب. هؤلاء النجوم لديهم القدرة على التأثير بشكل كبير على متابعيهم، سواء أكان ذلك عن طريق سلوكياتهم، أم قراراتهم، أم مواقفهم العامة. فالمشاهير، سواء أكانوا رياضيين، أم فنانين، أم شخصيات إعلامية، أم بلغة اليوم "إنفلونسرز" يملكون القدرة للمساهمة في تشكيل قيم واتجاهات المجتمع. عندما يلاحظ الجمهور، وخاصة الشباب، أفعال وسلوكيات هؤلاء المشاهير، يميلون إلى تقليدهم أو اعتناق نفس القيم.

ولكن في ذات الوقت، تملك الجماهير وعياً وقدرة كبيرة على التأثير، فإنهم رغم محبتهم وإعجابهم بالمشاهير، يمكنهم سحب بساط الشهرة بإلغاء المتابعة والمقاطعة لهذا أو ذلك المشهور إذا لم يساهم بشهرته وقدرته على التأثير فيما يخدم القضايا المهمة التي تشغل المجتمع. وقد أثبت ذلك، الحملة العالمية التي انطلقت في شتى أنحاء العالم لإلغاء متابعة المشاهير الذين تجاهلوا القضية الفلسطينية ولم ينددوا بالعدوان والمجازر التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني كأنهم لا يشاركون الحياة في نفس العالم. فكما أن الشهرة ميزة يمنحها الجمهور للبعض، فإن الجمهور أيضاً يمتلك القوة لسحب هذه الميزة عندما يكون المشاهير غير مسؤولين وغير مقدرين لمدى تأثيرهم وواجبهم تجاه الجماهير.

ولعل الحملة الأخيرة تدفعنا للتساؤل: من يمكن أن نتخذه قدوة؟ إذ تعتبر القدوة أو النموذج جزءاً مهماً في تشكيل الشخصية وتوجيه السلوكيات، فالقدوة هو الشخص الذي نتطلع إليه ونحاول محاكاة سلوكه وأفعاله. يمكن أن تكون القدوة أحد الوالدين، أو معلماً، أو شخصية مشهورة أو تاريخية، أو حتى زميلاً.

لكن قبل أن ننظر لشخص على أنه قدوة، علينا في البداية تحديد أهم صفات القدوة. كيف نختار القدوة؟ اختيار القدوة ليس بالأمر العشوائي، بل يجب أن يتم بعناية وتفكير. إليك بعض النصائح لاختيار القدوة المناسبة:

  • القيم المشتركة: ابحث عن شخص يشاركك نفس القيم والمبادئ. القدوة يجب أن تكون متوافقة مع القيم التي تؤمن بها، لأن هذا يجعل الاقتداء بها أكثر انسجاماً مع شخصيتك.
  • المبادئ والشجاعة: عند اختيار القدوة، يجب أن يكون لديها قيم ومبادئ حسنة تتوافق معك، كما يجب أن يكون لديها الشجاعة للدفاع عن قيمها ومبادئها. إذا لم تكن كذلك، فهي غير جديرة باعتبارها قدوة.
  • الاهتمام بالمجتمع: عند اختيار قدوة، يجب أن تكون مهتمة بمشاكل المجتمع وقضاياه، تدافع عن المظلوم وتتوحد معنا في آلامنا. يجب ألا تكون شخصية نرجسية أو أنانية تهتم فقط بالمكاسب الشخصية وتتعامل بانعزال وكأنها من كوكب آخر.
  • النجاح والاستمرارية: اختر شخصاً ناجحاً قيمياً وعملياً، يحقق نجاحه بالعمل الدؤوب والحكمة، وليس عن طريق عوامل أخرى تفتقر للمعنى والقيمة.
  • التواضع والأخلاق: القدوة الجيدة تتميز بالتواضع والأخلاق العالية، ولديها مواقف ومبادئ تتمسك بها وتدافع عنها.
  • التأثير الإيجابي: اختر شخصاً له تأثير إيجابي على محيطه ومجتمعه. القدوة تسعى لإيصال رسالة والتأثير في المجتمع بشكل إيجابي، وتشارك في أهم القضايا التي تهم المجتمع، فلا تكون سلبية أو منعزلة عن مجتمعها.
  • القدرة على التعلم من الأخطاء: لا تبحث عن شخص مثالي، بل اختر شخصاً يعرف كيف يتعلم من أخطائه ويعمل على تحسين نفسه باستمرار. هذا يُظهر الواقعية ويعلمك كيفية التعامل مع الفشل.

قد يمتلك الفرد أكثر من قدوة يستفيد من تجاربهم ويقتدي بأحسن ما فيهم، لأن كل إنسان به عيوب ومميزات. لست مضطراً أن تكون نسخة من الآخرين، بل كن نفسك مع تطويرها وتحسينها بشكل مستمر.

في عالم سريع التغير حيث يتبدل كل شيء بشكل مستمر حتى القيم، يصبح اختيار القدوة قراراً مهماً ربما يؤثر بشكل كبير على مسار حياتنا. لذلك، من الضروري أن نختار بحكمة الأشخاص الذين نتطلع إليهم ونتعلم منهم. فالقدوة الحسنة يمكن أن تكون مصدر إلهام وتوجيه ودعم معنوي في رحلتنا نحو تحقيق أهدافنا وتطوير ذواتنا. في نهاية المطاف، القدوة كالمنارة تضيء طريقنا في الحياة وتساعدنا في بناء مجتمع أفضل وأكثر إيجابية.

أما الشهرة، فهي ليست دائماً مقياساً للنجاح. ففي عصر سهولة النشر وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكان الكثيرين أن يصبحوا مشاهير بين ليلة وضحاها بالاعتماد على المحتوى التافه الذي لا يضيف شيئاً ذا قيمة. بينما، تغيب وتقل أسماء العديد من الشخصيات المؤثرة التي أضاءت العالم بعلمها وفنها ومهاراتها وأخلاقها، فهم كالجندي المجهول أو اللؤلؤ المغمور.

لذلك، عندنا بحثنا عن قدوة حقيقية تستحق أن نتبعها ونتعلم منها، لا يجب أن ننظر إلى شهرتها، بل إلى قيمها وإسهاماتها الإيجابية في المجتمع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريهام عبدالعزيز السيد
كاتبة ومعلقة صوتية
كاتبة ومعلقة صوتية
تحميل المزيد