رفح تحترق والنار تلتهم أجساد إخواننا، ولكن الأدهى والأمر أن نخوتنا تحترق أيضاً. هذا المقال ليس مجرد كلمات، بل صرخة ألم وشعور بالعجز أمام واقع مؤلم.
حُرقت عروبتنا قبل أن تحترق رفح. لم يحترق أحد حتى احترقنا نحن أيضاً؛ فمنذ وصول أخبار المحرقة حتى أحسسنا بألم ونار تحرق أرواحنا كما حرقت أجساد إخواننا. ألسنا العرب الذين كنا وما زلنا نتباهى بنخوتنا وغيرتنا ونصرتنا للضعيف، أينما كان؟ ولنا في قصة "وامعتصماه" خير دليل على تلك النخوة.
فكيف يكون حالنا اليوم ونحن نرى أبشع طرق القتل والسحل والتمثيل تُرتكب بحق أبناء عروبتنا من النازحين في رفح وهم يُحرقون أحياء، دون أن نتمكن نحن العرب من فعل أي شيء غير الدعاء، ولم يقدر قادتنا على فعل شيء أكثر من الشجب والتنديد!
ألم يعد فينا معتصم أو نور الدين زنكي أو غيرهما من أصحاب النخوة؟ أم لم يعد لنا جيش كالجيش العباسي؟ أم لعلنا فقدنا نخوتنا وحميتنا للعروبة؟ هل تنصلنا من قوميتنا واعتبرناها تعصباً، كما ظل الغرب يصور لنا منذ أكثر من قرنين من الزمن؟
إن سكوتنا اليوم هو أكبر هزيمة لنا، ليس على مستوى القضية الفلسطينية أو الحرب الدائرة في غزة، بل على مستوى عروبتنا وإنسانيتنا وقيمنا. فعدو إسرائيلي اليوم يؤكد لنا اعتماده مبدأ الانتقام المضاعف، حيث رد على عملية أسر جنوده يوم 25 من الشهر الجاري بحرق مئات من النازحين في خيامهم، في تكرار لما فعله في أكتوبر الماضي حينما قصف المستشفى المعمداني رداً على عملية "طوفان الأقصى".
الذين حُرقوا في رفح لن يرافقهم الألم أطول مما سوف يرافقنا نحن؛ فعزاؤهم في مصابهم أنهم قدموا أرواحهم وأجسادهم دفاعاً عن أرضهم. أما نحن بقية العرب من مراكش إلى البحرين، فما هو عزاؤنا؟ هل سوف ننسى يوماً ما حدث؟ أم سوف نطبع مع مجازر الاحتلال كما طبعت حكوماتنا مع دولته؟
هل تغيرنا حقًا؟ ألم تعد فينا حمية وغيرة؟ ما يجعلني أقول هذا هو أن ما حدث في رفح بلا شك ليس أول مجازر الكيان الصهيوني وليس أبشعها على الإطلاق. لكن قبل هذا وحتى مطلع الألفية الجديدة، كانت ردود فعل العرب أكبر من هذا بكثير؛ فعلى الرغم من أنها لم تكن بالقوة اللازمة إلا أنها كانت أكثر حدة من اليوم إعلامياً وجماهيرياً وحتى سياسياً وفنياً. مع كل عدوان كانت تنطلق مسيرات توقف الدراسة، كنا طلاباً في المرحلة الإعدادية والثانوية نخرج من تلقاء أنفسنا نهتف ضد إسرائيل وضد خنوعنا لها.
أما اليوم، فلم يتعدَّ هذا السخط جدران مواقع التواصل الاجتماعي. حتى على المستوى السياسي، كانت ردود فعل دولنا أكثر جرأة، ولو أنها لم تتعد البيانات في غالب الأحوال، لكن صياغتها كانت تشفي الغليل أكثر من بيانات اليوم التي تزيد شعور الذل عندنا. ألم يقطع المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني علاقاته مع دولة إسرائيل بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وقمعها من طرف جيش الاحتلال؟ أليست خطوة كهذه اليوم، ولو بشكل صوري، قد تحفظ لنا بعض ما تبقى من كرامتنا ونخوتنا؟
لقد آن الأوان لأن نعيد النظر في موقفنا ونستعيد كرامتنا المهدورة. إذا كنا نفتخر بتاريخنا المليء بالنخوة والشجاعة، فعلينا أن نكون على قدر هذا الفخر اليوم. رفح تحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات؛ تحتاج إلى أفعال تُعيد لنا كرامتنا وتُثبت أننا لم نفقد نخوتنا بعد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.