باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم، تشكل الانتخابات في الهند موضوعاً معقداً ومؤثراً. مع وجود أكثر من 900 مليون ناخب مؤهل، فإن نتائج الانتخابات الهندية قد تتجاوز تأثيراتها حدود البلاد، لتشمل المنطقة والعالم بأسره. ومن بين الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الانتخابات، هو الدور الذي يؤديه المسلمون الذين يشكلون حوالي 14% من إجمالي السكان.
العملية الانتخابية في الهند تمتد على سبع مراحل على مدى 44 يوماً، وهي مليئة بالتوترات الطائفية. فخلال العقد الماضي، اتسعت الفجوة بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة تحت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي ينتمي إلى اليمين الهندوسي، فقد تأكلت الثقة بين المجتمعات في الهند، بسبب السياسيون الذي غالباً ما يلجأون إلى تصريحات مثيرة لزيادة الانقسام من أجل تأمين الأصوات.
أصوات المسلمين في الهند
لكان يُنظر إلى المسلمين في الهند تقليدياً على أنهم بنك أصوات حاسم، حيث تقوم الأحزاب السياسية غالباً بتصميم بياناتها واستراتيجيات حملاتها الانتخابية لجذب هذا المجتمع. فالحجم الهائل للناخبين المسلمين، إلى جانب تركزهم في بعض الولايات والدوائر، يجعلهم قوة لا يستهان بها. في ولايات مثل أوتار براديش، البنغال الغربية، وكيرالا، يمكن لأصوات المسلمين أن تقلب التوازن لصالح حزب أو آخر.
تاريخياً، كان المسلمون في الهند يصوتون لحزب المؤتمر الذي قاد نضال الهند من أجل الحرية وحكم البلاد لفترات طويلة. ومع ذلك، فإن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي مثل الرابطة الإسلامية للاتحاد الهندي (IUML)، ومجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند (AIMIM)، وكذلك الأحزاب الإقليمية في ولايات مثل جامو وكشمير ولاكشادويب، تتمتع بدعم كبير في مناطقها. إضافة إلى ذلك، حصلت الأحزاب العلمانية، مثل الأحزاب اليسارية، على دعم كبير من الناخبين المسلمين في الولايات ذات التجمعات الإسلامية العالية. من بين هذه الأحزاب: حزب ساماجوادي (SP) وحزب باهوجان ساماج (BSP) في ولاية أوتار براديش، راشتريا جاناتا دال (RJD) في بيهار، ومؤتمر ترينامول (TMC) في ولاية البنغال الغربية.
رغم أن المسلمين يشكلون حوالي 14% من إجمالي سكان الهند، إلا أن توزيعهم غير المتساوي عبر الدوائر الانتخابية يحد من قدرتهم على التنظيم الفعال. ففي 405 من أصل 543 دائرة انتخابية في لوك سابها (البرلمان الهندي)، تقل نسبتهم عن كتلتهم الحقيقة التي تشكل 14% من إجمالي السكان. بمعنى آخر، في ما يقرب من 75% من الدوائر الانتخابية في البلاد، لا يتمتع المسلمون إلا بالحد الأدنى من التأثير على النتائج الانتخابية. على النقيض، هناك ما يقرب من 94 دائرة انتخابية يشكل المسلمون فيها ما بين 15% و30% من السكان، وحوالي 44 دائرة انتخابية يشكلون فيها أكثر من 30%، مما يمنحهم إمكانات أكبر للتأثير بشكل كبير على النتائج الانتخابية.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل أصوات المسلمين مهمة حقاً في المخطط الكبير للأشياء؟ مع صعود القومية الهندوسية وحزب بهاراتيا جاناتا في السنوات الأخيرة، يزعم البعض أن تأثير أصوات المسلمين قد تضاءل. حيث اتُّهم حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتولى السلطة منذ عام 2014، باتباع أجندة تتمحور حول الهندوس وإهمال مخاوف الأقليات الدينية، بما في ذلك المسلمون.
رغم ذلك، وخلال الانتخابات العامة في عام 2019، التي شهدت عودة حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة بتفويض أقوى، برزت حالة مثيرة للاهتمام. فعلى الرغم من خطاب الحزب وسياساته المعادية للمسلمين، مثل قانون تعديل المواطنة المثير للجدل (CAA)، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من تأمين عدد كبير من أصوات المسلمين في بعض الولايات. هذا يثير تساؤلات حول العوامل التي تؤثر على سلوك التصويت للمسلمين، وإلى أي مدى تحدد الهوية الدينية وحدها خياراتهم السياسية.
انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين
يعرف رئيس الوزراء ناريندرا مودي وغيره من قادة حزب بهاراتيا جاناتا باستخدام خطاب مثير للانقسام، وخطاب الكراهية ضد المسلمين خلال حملاتهم الانتخابية؛ إذ يشير مودي إلى المسلمين على أنهم "متسللون" و"أولئك الذين لديهم الكثير من الأطفال"، ويجذب الأصوات عن طريق إطلاق ادعاءات أن حزب المؤتمر المعارض سيعيد توزيع ثروات البلاد على المسلمين، فبذلك يسعى مودي لتنشيط القاعدة المتشددة لحزب بهاراتيا جاناتا. وباتت تعرف حكومة مودي مراراً وتكراراً بالاستهداف والتمييز ضد مسلمي الهند، الذين يقدر عددهم بنحو 200 مليون نسمة، مما يجعلهم ثالث أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم.
مستقبل أصوات المسلمين
نظراً لأن الهند حالياً في خضم الانتخابات العامة لعام 2024، تظل قضية أصوات المسلمين موضع نقاش حاد وتكهنات مكثفة. فهل سيتمكن حزب بهاراتيا جاناتا من الحفاظ على سيطرته على جزء من الناخبين المسلمين؟ وهل ستتمكن أحزاب المعارضة من توحيد أصوات المسلمين لصالحها؟ أم ستستمر الأحزاب الإقليمية في أداء دور مهم في تحديد الحظوظ السياسية للمجتمع؟
هناك أمر واحد مؤكد: صوت المسلمين ليس كياناً متجانساً، وسوف يستمر تأثيره في التشكل من خلال تفاعل معقد من العوامل، بما في ذلك الهوية الدينية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والانتماءات الإقليمية، والتفضيلات الفردية. الأحزاب السياسية التي تدرك هذا التعقيد وتصمم استراتيجياتها وفقاً لذلك، قد تكون لها ميزة في جذب أصوات المسلمين. بغض النظر عن النتائج، هناك شيء واحد واضح؛ هو أن تصويت المسلمين سوف يظل عاملاً حاسماً في تحديد مستقبل الديمقراطية في الهند.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.