في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فنّدت صحيفة فرانس 24، مقطعي فيديو منتشرين على حسابات التواصل الاجتماعي في الهند، يروّجان لخطاب مناهض للمسلمين وداعم لإسرائيل. تدعي الفيديوهات أن الفلسطينيين يزيفون جراحهم ومعاناتهم في مقاطع الفيديو والصور الصادرة من غزة بعد العدوان الإسرائيلي؛ إذ أكدت الصحيفة أن الفيديوهات المنتشرة قديمة ولا علاقة لها بالحرب القائمة.
لم يكن هذا الحدث فريداً من نوعه؛ إذ لاحظت أن كماً ضخماً من المعلومات المضللة المناهضة للمسلمين والفلسطينيين والداعمة لإسرائيل، تأتي من حسابات هندية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو النشاط الذي ازداد بشدة بعد أحداث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في هذا السياق، أشار تقرير صادر عن المجلس الإسلامي في فيكتوريا، ومقره أستراليا، أن غالبية التغريدات المعادية للإسلام على موقع إكس تأتي من الهند، بينما يظهر موقع بووم لتتبع المعلومات المضللة وتفنيدها، تحليلاً يفيد بأن المسلمين هم الهدف الأول للمعلومات المضللة في الهند منذ سنة 2021.
ويكشف التحليل أن نسبة تتخطى الـ 15% من المعلومات المضللة التي فندها الموقع باللغة الإنجليزية والهندية والبنغالية، تستهدف المسلمين، وأن أكثر من 84% من هذه المعلومات يهدف إلى التسبب في اضطراب اجتماعي، وعلى حسب التحليل يكشف هذا الاتجاه الانتشار المتزايد لتبني خطاب معادٍ للمسلمين في السياسة الهندية، إلى جانب العداء المتزايد ضد المسلمين في البلاد.
وفي نفس الوقت، يظهر التحليل أن ثاني أكبر هدف للمعلومات المضللة في الهند هو رئيس الوزراء ناريندرا مودي، زعيم حزب بهاراتيا جاناتا اليميني الحاكم، ولكن على عكس المجتمع المسلم تظهر هذه المعلومات مودي بشكل إيجابي.
أما مختبر الكراهية الهندي، ومقره في واشنطن الولايات المتحدة، فوثّق قرابة 668 خطاب كراهية ضد المسلمين في الهند خلال 2023، وكانت أكثرها انتشاراً في الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا.
وبعد بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، زاد خطاب الكراهية إزاء المسلمين في الهند؛ إذ كان حوالي 42 منها يستغل العدوان على غزة لإثارة الكراهية ضد المسلمين، كما أشار التحليل إلى أن الحزب مسؤول عن تنظيم 50 حدثاً لخطاب الكراهية في سياق تجمعاته الانتخابية.
ويعتمد خطاب الكراهية ضد المسلمين على معلومات مضللة تحت وسوم #جهاد الحب، #جهاد النسل، و#جهاد الأرض، وغيرها من الوسوم التي تثير مشاعر الخوف والعداء ضد المسلمين وإظهارهم كخطر وجودي على المجتمع الهندوسي.
يزداد انتشار المعلومات المضللة التي تروّج لكراهية المسلمين في الهند على تطبيق الواتساب، حيث يزيد عدد مستخدمي هذا التطبيق من الهنود عن أي وسيلة أخرى من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تدعي هذه المعلومات المضللة أن هناك عصابات من المسلمين تخطف أطفال الهندوس.
ولوحظ انتشار هذه المعلومات بشكل كبير خلال الاستفتاءات والانتخابات في الولايات الهندية خلال سنة 2023، ويبدو أنها تتزايد بشدة كذلك مع اقتراب الانتخابات الهندية هذه السنة، وتروج معظم هذه المعلومات إلى أن انتخاب حزب بهاراتيا جاناتا اليميني هو السبيل الوحيد الذي سوف يحمي الهندوس من خطر المسلمين.
وفي هذا السياق يوضح مارك أوين جونز، الأستاذ المشارك لدراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة، والباحث في مجال المعلومات المضللة، أنه في كثير من الحالات، تكون المشاعر المعادية للمسلمين والإسلاموفوبيا أدوات يستخدمها القادة الشعبويون لكسب ود الناخبين من خلال تأجيج الصراعات الاجتماعية وتحريض فئة ضد أخرى، وأضاف أنه "قد يكون هذا متعمداً لزيادة شعبية مودي".
القومية الهندوسية في خدمة الأجندة الإسرائيلية
كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أوائل القادة الذين عبروا عن دعمهم لإسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث قال: "أفكارنا و صلواتنا مع الضحايا الأبرياء وعائلاتهم. نحن نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة".وبعد بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ظهر كثير من الحسابات اليمينية الهندية على مواقع التواصل الاجتماعي بصور للعلم الهندي بجوار العلم الإسرائيلي، وأظهر نشاط كل هذه الحسابات دعماً قوياً لإسرائيل، مما جعل هذه الحسابات من أكثر الأصوات انتشاراً على الإنترنت، التي تولد وتنشر المعلومات المضللة المناهضة للفلسطينيين.
ولاحظ العديد من الخبراء أن هذه الحسابات تعزز بشكل كبير الرواية الإسرائيلية أمام الجماهير في جنوب آسيا، وهي فئة ديموغرافية لا يمكن لوسائل الإعلام الغربية الوصول إليها بسهولة. ويظهر هؤلاء المدافعون عن إسرائيل كذلك في شوارع الهند من خلال مسيرات لدعم إسرائيل بقوة وإصرار لا يتزعزع، حتى في مواجهة أحداث مثيرة للجدل مثل تفجير مستشفى الأهلي، الذي كان من بين الهجمات الأكثر دموية في هذه الحرب المستمرة إلى اليوم، والذي راح ضحيته أكثر من 470 فلسطينياً. تتبنى هذه الأصوات بشكل صريح رواية جيش الاحتلال التي تتهم حماس بالتفجير متجاهلة الأدلة التي تؤكد ضلوع إسرائيل في هذه الجريمة.
ولا يقف الأمر عند التضامن داخل الهند، بل يمتد الدعم الهندي لإسرائيل إلى خارج حدودها، ومن قلب تل أبيب، حيث يشير تحقيق لموقع تتبع الأخبار الكاذبة "مسبار" أن الهند سارعت بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت إلى إرسال عدد كبير من المراسلين إلى إسرائيل لتقديم تغطية صحفية للحرب الدائرة، وهي التغطية التي جاءت مفتقرة إلى التوازن المهني وأظهرت تحيزاً واضحاً للجانب الإسرائيلي.
يشير التحقيق إلى انتماء معظم هؤلاء المراسلين إلى "غودي ميديا"، وهو مصطلح يشير إلى القنوات التابعة لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا، وتعمل كذراع علاقات عامة لمودي، حيث يصفهم الصحفي الهندي رافيش كومار، أنهم "تابعون للأجندة القومية الهندوسية".
وتنقل تغطيتهم الصحفية للعدوان الحالي رواية الجيش الإسرائيلي بشكل حرفي، وتتجنب تغطية الرواية الفلسطينية بشكل واضح، بينما تركز على المبالغة والتهويل وتعتمد على أسلوب كاريكاتيري في نقل الخبر، سواء في احتماء المراسلين وهروبهم من هجمات لا تظهر لها آثار في الفيديوهات المنشورة، أو التعبير عن الخوف والصراخ بشكل مبالغ فيه أثناء التغطية.
ويصرح هؤلاء المراسلون دائماً بدعمهم لإسرائيل في عدوانها على غزة ويظهرون في صورهم بجوار الجنود والمسؤولين الإسرائيليين؛ ما دعا الصحفية الهندية عرفة خانوم شيرواني إلى التصريح بأن "وسائل الإعلام المحسوبة على حكومة مودي لم تذهب إلى إسرائيل لتغطية الحرب، بل ذهبت لتمرير الأجندة".
زيادة دعم الاحتلال الإسرائيلي إثر سيطرة الحزب الحاكم في الهند
تتشارك الهند "الهندوسية" التي يحلم بها حزب بهاراتيا جاناتا أيديولوجية عنصرية تتشابه مع إسرائيل. إذ ترى كلتا الدولتين جماعات المسلمين الملاصقة لحدودها، وتلك الموجودة داخل الحدود، كتهديد وجودي لبقائها، وربما هذا يفسر جانباً من تلك العلاقة الدافئة بين البلدين.
ولعل ذلك التشابه يفسر الممارسات والسياسات التي تتبعها الحكومة الهندية منذ فترة؛ إذ بدأت الحكومة الهندية خلال شهر مارس/آذار الحالي إجراءاتها الرسمية لتعديل قانون الجنسية والمواطنة، لتسمح لأتباع الأديان التي تمثل أقلية في البلدان المجاورة، مثل باكستان وبنغلاديش، وأفغانستان، بالحصول على الجنسية الهندية.
صرحت الحكومة الهندية بأن هدف التعديل الجديد هو مواجهة الاضطهاد الذي تتعرض له هذه الأقليات، وجاء هذا التعديل المثير للجدل قبل أيام من إعلان موعد الانتخابات الهندية الجارية حالياً العام، حيث يعتبر واحداً من أهم التعهدات الانتخابية لمودي وحزبه.
ويتخطى التعديل بذلك، مبدأ العلمانية في الدستور الهندي الذي يمنع التمييز بين الناس على أساس الدين. ويعتبر مناهضاً للمسلمين كونه لا يتضمن الأقليات المسلمة التي تشعر بالاضطهاد الديني في دول مجاورة مثل التاميل في سريلانكا، و اللاجئين الروهينغا من ميانمار؛ إذ يشمل التعديل للأقليات الهندوسية، والسيخية، والبوذية، دون المسلمين؛ لذلك، يتخوف المراقبون من أن تفعيل هذا التعديل المثير للجدل سوف يتسبب باضطهاد أكثر من 200 مليون مسلم هندي.
ناهيك عن أن الأقلية المسلمة في الهند تعاني بالفعل منذ عقود عنفاً طائفياً تقوده مليشيات هندوسية متطرفة، ويُتهم حزب بهاراتيا جاناتا دائماً بتأجيج هذا العنف لخدمة سياساته القومية، ويرى بعض المراقبين أن الأسس العلمانية للدستور الهندي اهتزت بالفعل منذ تسعينيات القرن الماضي.
ففي عام 1992 قاد الحزب مسيرة جابت أنحاء الهند لمدة شهرين بهدف كسب زخم شعبي يؤيد قضية تطالب بهدم مسجد بابُري الأثري، وقد هدمت الحشود الهندوسية المسجد بالفعل، ما أشعل نيران العنف الطائفي الذي راح ضحيته أكثر من ألفي قتيل.
حينها وصفت وكالة بلومبرغ هذه المأساة بأنها حدث "هزّ أسس النظام السياسي العلماني الرسمي للهند المعلن رسمياً"، فقد أدى إلى صعود حزب بهاراتيا جاناتا كقوة سياسية جبارة أزاحت حزب المؤتمر العلماني الذي حكم الهند دون انقطاع تقريباً منذ الاستقلال عن بريطانيا. ومنذ ذلك الحين يستخدم حزب بهاراتيا جاناتا الخطابات العنصرية لتحقيق مكاسب سياسية إلى اليوم.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أثناء إقامة مراسم افتتاح معبد رام ماندير الذي بُني على أنقاض مسجد بابُري، قال مودي إن الإله جعل منه أداة لتمثيل شعب الهند برمته. وفي موضع آخر قال إن هذا التاريخ "يؤذن بقدوم حقبة جديدة"، وأضاف أنه "بكسره أكبال العبودية على البلد أن ينهض ويتعلم العبر من الماضي". والعبودية التي أشار إليها مودي في حديثه هي الوصف الذي يستخدمه أبناء الحزب دائماً للإشارة إلى الفترات السابقة من الحكم الإسلامي على أجزاء من الهند.
كيف أصبحت إسرائيل المثال الأعلى والصديقة الأيديولوجية للهند؟
يربط أبوورفاناند، الأستاذ في جامعة دلهي، بين "المشاعر المعادية للمسلمين" في الهند حالياً وصعود الأيديولوجيات القومية الهندوسية؛ مثل "هندوتفا" أي القومية الهندية التي تتمحور حول الهندوس، وخاصة في ظل حكومة مودي وحزبه. ويقول "إن أنصار هندوتفا يحملون المسلمين في جميع أنحاء البلدان المسؤولية عن كل العلل وكل شيء سيئ. لقد بدأوا ينظرون إلى إسرائيل كمثل أعلى، كنموذج يجب اتباعه لأن إسرائيل تفعل ما تريد أن تفعله بالمسلمين".
ويرى نيكولاس بلاريل، الأستاذ المشارك المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة ليدن في هولندا، أن هناك "تحولاً جيلياً" حدث في الهند؛ حيث يلاحظ باريل على مدى العقد الماضي أن الهند أصبحت أكثر انبهاراً بإسرائيل، بما في ذلك كيفية دفاعها عن نفسها ضد هجمات جيرانها.
ويمكن تفسير ذلك الانبهار الهندي بالقدرات الدفاعية لدولة الاحتلال عندما نعرف أن الهند تتعرض للتوغل الصيني شرقاً، وهجمات على حدودها الغريبة من جانب من تدعي أنهم جماعات مسلحة مدعومة من باكستان، حيث تخوض الدولتان المسلحتان نووياً (الهند وباكستان) صراعاً مستمراً للسيطرة على إقليم كشمير، فدفعت هذه العلاقات الدولية المتوترة، جزئياً، حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي إلى السعي إلى علاقات أكثر دفئاً مع إسرائيل التي دعمت الهند في حربها الأخيرة على باكستان من خلال توفير العتاد والأنظمة العسكرية، حيث تعتبر الهند أكبر مستورد للسلاح من إسرائيل بحوالي مليار دولار سنوياً.
يقول الصحفي أزاد عيسى، مؤلف كتاب "أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل"، إن الهندوتفا والصهيونية أيديولوجيتان تتشاركان مبدأ "مواجهة الإرهاب"؛ في إشارة إلى الطريقة التي يتم من خلالها النظر إلى المسلمين في كلا البلدين، ويضيف عيسى أن الهندوتفا والصهيونية تتشاركان المبدأ الاستعماري التوسعي، حيث تعتبر الهندوتفا أن الجنوب الآسيوي هندي بالكامل، بينما تحلم إسرائيل بدولة أكبر تتمدد إلى ما وراء حدودها الحالية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.