تحول الدوري الإنجليزي الممتاز إلى ما يشبه أفلام المقاولات أو الأفلام التجارية التي عُرفت بها السينما المصرية خلال ثمانينيات القرن الماضي. إذ كانت تتسم هذه الأفلام بتكرار الحبكة واحتكار بطل واحد للبطولة مع مجموعة من الكومبارس، بينما كان الجمهور يعرف مسبقاً النهاية، حيث ينتصر البطل دائماً رغم اختلاف التفاصيل من فيلم لآخر، فبدت جميع الأفلام كفيلم واحد يتكرر.
منذ تولي المدرب الإسباني بيب جوارديولا تدريب فريق مانشستر سيتي، أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز تحت سيطرته بشكل شبه كامل؛ حيث فاز بلقبه ست مرات خلال ثمانية مواسم، منها أربعة مواسم متتالية من 2021 وحتى 2024. وخلال هذه الفترة، لم يتوج بلقب الدوري سوى فريقين آخرين: تشيلسي مرة واحدة في موسم 2016-2017، وحينها كان مانشستر سيتي ثالثاً، وليفربول مرة واحدة في موسم 2019-2020، وكان مانشستر سيتي وصيفاً.
منذ انطلاق النسخة الممتازة من الدوري الإنجليزي عام 1992، لم يتمكن أي فريق من احتكار اللقب بهذه الطريقة. حتى مانشستر يونايتد بقيادة السير أليكس فيرغسون لم ينجح في احتكار التتويج، وكذلك أرسنال بطل العام 2004 الذي حقق اللقب بدون خسارة.
اليوم، ومع سيطرة فريق مانشستر سيتي، أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز يشبه سيناريو فيلم مكتوب بإتقان. على الرغم من أن جميع الأندية تبدأ الموسم بنفس الحماس والتفاؤل في شهر أغسطس، إلا أن النهاية معروفة للجميع مسبقاً: مانشستر سيتي يظفر باللقب.
بقية الفرق تبدو كأنها ممثلون ثانويون في مسرحية كبيرة، أدوارهم محددة مسبقاً لدعم البطل في رحلته نحو المجد. يتنوع الأداء وتتغير المشاهد، لكن النهاية تظل واحدة: مانشستر سيتي يصعد إلى المنصة المخصصة له، ويتوج باللقب الذي يبدو وكأنه خُطّ باسمه مسبقاً.
هذا السيناريو المتكرر أصبح جزءاً من واقع الدوري، حيث يظهر الفريق السماوي في دور البطل الذي لا يُهزم، والبقية يعملون على إتمام حبكة القصة، متأملين أن تتغير الأدوار يوماً ما. في كل موسم، تشاهد الجماهير نفس الفيلم بمعطيات جديدة، لكن بروح واحدة تنتهي دائماً بتتويج مانشستر سيتي، بطل الدوري الإنجليزي الممتاز.
على غرار الأفلام، قد يواجه البطل بعض المشاكل، لكنه في النهاية ينجو من جميع الكمائن مهما كانت صعبة، ليتفوق على جميع منافسيه. هذا ما حدث مع مانشستر سيتي الذي خسر ثلاث مباريات خلال الموسم، لكن هذه الهزائم لم تكن كافية لتغيير المشهد الختامي الذي اعتاده عشاق الدوري الإنجليزي الممتاز.
صحيح أن هيمنة مانشستر سيتي لم تؤثر سلباً على الإثارة التي تظل طاغية على أغلب جولات الموسم، إلا أن ما افتقده الدوري الإنجليزي الممتاز هو عنصر التشويق لدى الجماهير. هذه الهيمنة تعكس عجز بقية الأندية عن مقارعة مانشستر سيتي، مما جعل النهاية معروفة مسبقاً، وأضفى شعوراً بأن المنافسة قد حُسمت قبل أن تبدأ.
في كل موسم، تبدأ الأندية بمستوى من التفاؤل والطموح، لكن سرعان ما تتبدد هذه الآمال أمام قوة مانشستر سيتي. الجماهير تتابع المباريات بلهفة، لكن يظل في الخلفية شعور بأن البطل معروف، وأن الدراما الكروية قد فقدت بعضاً من سحرها بسبب هيمنة فريق واحد. رغم هذا، يستمر الدوري في تقديم عروض مثيرة ومباريات مشوقة، لكنها تبقى محكومة بسيناريو معروف سلفاً.
التداول المحدود على منصة التتويج في الدوري الإنجليزي الممتاز أفقده عنصر التشويق. بين عامي 2021 و2024، تداول على لقب الدوري الإسباني ثلاثة أبطال، وكذلك في الدوري الإيطالي، بينما بقي الدوري الإنجليزي حكراً على نفس البطل، مانشستر سيتي.
قد يستشهد البعض بتأخر معرفة البطل حتى الجولة الأخيرة من الموسم ليقول العكس، ولكن مثل هذا الكلام مردود عليه بعدما تكرر هذا السيناريو في أكثر من موسم. أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز وكأنه سباق نصف طويل يحتاج فيه العداء الراغب في تحطيم رقم قياسي إلى "أرنب" لتسريع إيقاع السباق قبل أن ينسحب في الأمتار الأخيرة، ليفسح المجال للعداء لمواصلة ركضه حتى خط النهاية.
فريق مانشستر سيتي بحاجة إلى "أرانب" يرفعون من وتيرة التنافس، وهذه مهمتهم. وقد تداولت هذه المهمة عدة فرق منذ بداية الموسم، جميعها يمكن أن نصفها بالأرانب تختلف عن بعضها البعض في الأحجام والألوان، لكنها في النهاية تتنافس على مركز الوصافة، التأشيرات للبطولات الأوروبية، ومراكز الهبوط، لكنها غير قادرة على مزاحمة السيتي على المركز الأول.
أعتقد أنه ربما الآن، يحق للنقاد أن يصفوا الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي طالما وُصف بأقوى دوري في العالم، بـ"دوري المزارعين"، خاصة بعد العجز القاري لممثليه، حيث خرجوا تباعاً في أدوار مختلفة من المسابقات الأوروبية الثلاث، مقابل حضور قوي لممثلي الدوري الإيطالي.
أعتقد أن هذا الوصف ليس مبالغة، إذ ربما يعكس خيبة أمل الكثير من الجماهير والنقاد على حد سواء، حيث أصبح الدوري الإنجليزي مشهداً مكرراً، بطل معروف وأدوار ثانوية تتغير وجوهها لكن تبقى نهايتها واحدة، ما أفقد الدوري بعضاً من بريقه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.