جاء قرار محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 24/05/2024 بناءً على طلب من دولة جنوب أفريقيا متوقعاً بصيغته الحالية، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية في رفح، وفي قطاع غزة بالعموم.
وطالب القرار سالف الذكر إسرائيل بضرورة وقف هجومها فوراً في رفح، تأسيساً على التزاماتها في ضوء اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي وقّعت عليها وانضمت لها سابقاً، وإعادة فتح معبر رفح، ما يساعد في وصول المساعدات الإنسانية، والسماح لمراقبي الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة بتقصي الحقائق بشأن الاتهامات حول الإبادة الجماعية، ما قد يسمح بإجراء تحقيق دولي مستقل، خاصة في ظل الوضع المأساوي الذي يعانيه الناس في رفح، وفي قطاع غزة، حيث يعيش غالبيتهم حالياً في الخيام في منطقة المواصي في خان يونس وفي وسط قطاع غزة دون تمتعهم بأدنى مقومات الحياة كالمياه والخدمات الصحية بسبب استهداف معظم المستشفيات، ونقص الوقود في المستشفيات القائمة. وطالبت المحكمة الدولية المذكورة إسرائيل بأن تقدم تقريراً حول تلك التدابير كافة خلال شهر. وحظي القرار المذكور بموافقة أغلبية قضاة المحكمة الدولية البالغ عددهم 15 قاضياً، حيث وافق عليه 13 قاضياً، ما يشمل رئيس المحكمة وقضاة الدول الغربية كافة دون استثناء.
وأشارت المحكمة في قرارها المشار إليه إلى أن الظروف تقتضي تغيير قرار سابق أصدرته بتاريخ 28/03/2024 وطالبت فيه إسرائيل باتخاذ تدابير فعالة لضمان امتثالها لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، مستندة في ذلك إلى المادة 76(1) من قواعد المحكمة ذاتها لسنة 1978 التي تعطيها الحق بعمل ذلك قبل إصدار قرارها النهائي.
وكانت المحكمة الدولية المذكورة طالبت في قرارها الأول بشأن تلك القضية الصادر بتاريخ 26/01/2024، تأسيساً على الطلب المقدم أمام المحكمة من قبل جنوب أفريقيا بتاريخ 29/12/2023، إسرائيل باتخاذ تدابير فعالة لمنع الإبادة الجماعية في ضوء التزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، ما يشمل، وفقاً للقرار المذكور، القتل، والتسبب بضرر جسدي أو عقلي خطير، وتعمد فرض ظروف معيشية تسبب ضرراً جسدياً بشكل كلي أو جزئي، وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات.
والسؤال المطروح: كيف ستقوم محكمة العدل الدولية بتنفيذ قرارها الأخير الصادر بتاريخ 24/05/2024 على أرض الواقع؟ وثمة تساؤل آخر يطرح نفسه بشأن مدى امتلاك المحكمة لآليات تنفيذية لفعل ذلك؟
من الواضح أن محكمة العدل الدولية التي تقف على قمة هرم القضاء الدولي، والتي سنحت لي فرصة حضور إحدى جلساتها في عام 2009، لا تملك آليات تنفيذية تلزم الدول المعنية بتنفيذ قراراتها دون توفر إرادة سياسية دولية، خاصة من قبل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة. ومعلوم بالضرورة أن تبني ذلك القرار بصيغته الحالية من قبل مجلس الأمن الدولي سوف يصطدم بالفيتو الأمريكي، ما يعني أن صيغة مخففة تتضمن وقفاً لإطلاق النار ربما تكون مقبولة لدى الولايات المتحدة الأمريكية. أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنها تستطيع ربما تبني القرار بصيغته الحالية لكن دون صفة إلزامية. وكل ذلك يشي للأسف بعدم إمكانية إلزام إسرائيل بوقف هجومها على رفح، ووقف حربها ضد قطاع غزة في المستقبل القريب.
وأياً كان الأمر، فإن قرار المحكمة الدولية الذي صدر مؤخراً سوف يضع ضغوطاً كبيرة على صنّاع القرار في إسرائيل، خاصة أنه تبع قراراً صدر عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قبل عدة أيام بشأن الحالة في دولة فلسطين، مع ما تضمنه من الطلب من المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات قبض بشأن القادة المتورطين في الأعمال العسكرية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. إضافة إلى تزامنه مع اعتراف دول أوروبية عديدة بدولة فلسطين، وإعلان دول غربية أخرى عزمها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الفترة المقبلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.