"إن نفاق الغرب مذهل، فهو يدّعي تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك يدعم باستمرار الأنظمة الوحشية عندما يناسب ذلك مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية". نعوم تشومسكي.
سلط الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس الضوء مرة أخرى على موقف الأنظمة الغربية، مواقف مزدوجة ومزعجة تظهر النفاق الذي يعمهم، ففي الوقت الذي تدافع فيه الدول الغربية علناً عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، فإن ردود فعلها على حرب غزة تكشف عن واقع مختلف، واقع يتسم بالمصالح السياسية والتعاطف الانتقائي والتحالفات الاستراتيجية.
وإن أحد أكثر الأمثلة الصارخة على الازدواجية الغربية هو التناقض الصارخ في الردود على الضحايا المدنيين، إذ ترى ذلك جلياً، في زحف ترسانة عسكرية عملاقة على أشلاء الأطفال والناس الأبرياء الفلسطينيين في غزة، فإذا الحكومات الغربية عبر بيانات معتدلة تدعو إلى ضبط النفس وتعرب عن قلقها، ومع ذلك، عندما يتضرر المدنيون الإسرائيليون من الهجمات المقاومة، تسارع الحكومات نفسها إلى إدانة العنف بشكل لا لبس فيه وتؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. ويؤكد هذا التناقض في اللهجة والإلحاح على ازدواجية المعايير التي تقوض مصداقية الالتزامات الغربية بحقوق الإنسان.
تتأثر علاقة الغرب بإسرائيل بشكل كبير بالمصالح السياسية والاستراتيجية، فإسرائيل حليف رئيسي في منطقة مضطربة، وتوفر تعاوناً استخباراتياً وعسكرياً قيّماً، وغالباً ما يدفع هذا التحالف الدول الغربية إلى إعطاء الأولوية لشراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل على حساب الدعوة إلى العدالة والمساءلة في الصراع، ونتيجة لذلك، تستمر إجراءات مثل مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية لإسرائيل دون توقف، على الرغم من الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب المحتملة وانتهاكات القانون الدولي في غزة.
وتلعب وسائل الإعلام الغربية أيضاً دوراً مهماً في تشكيل التصور العام للصراع، إذ تميل التغطية الإعلامية إلى تسليط الضوء على المعاناة الإسرائيلية وتأطير الرواية من حيث احتياجات إسرائيل الأمنية، بينما تحظى وجهات النظر الفلسطينية والأزمة الإنسانية في غزة بعدم الاهتمام، وتؤثر هذه التغطية الانتقائية على الرأي العام، ما يسهل على الحكومات تبرير سياساتها وتجنب ردود الفعل العنيفة.
وغالباً ما يتم التقليل من أهمية الأزمة الإنسانية في غزة أو يتم تأطيرها على أنها نتيجة لأفعال حماس، مع تجاهل السياق الأوسع للحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية التي دمرت البنية التحتية والاقتصاد في المنطقة. وفي حين تتعهد الدول الغربية بتقديم المساعدات لإعادة الإعمار والإغاثة الإنسانية، إلا أن هذه الجهود غير كافية لمعالجة الأسباب الجذرية للمعاناة، وغالباً ما تكون مصحوبة بظروف سياسية تحد من فعاليتها.
وعلى الرغم من ازدواجية الأنظمة، إلا أن هناك دعوات متزايدة داخل المجتمعات الغربية لمزيد من المساءلة واتباع نهج أكثر توازناً في التعامل مع الصراع، وترتفع أصوات منظمات حقوقية والنشطاء وبعض القادة السياسيين بشكل متزايد حول الحاجة إلى دعم القانون الدولي وحماية المدنيين، وقد أدى هذا الضغط إلى بعض التحولات في الخطاب والسياسات، لكن التغيير الجوهري لا يزال بعيد المنال.
يعكس التعامل الغربي مع حرب غزة شبكة معقدة من المصالح والتناقضات، ففي الوقت الذي تدافع فيه الدول الغربية عن السلام وحقوق الإنسان، غالباً ما تتصرف الدول الغربية بطرق تديم الصراع والمعاناة، وتتطلب معالجة هذه الازدواجية التزاماً حقيقياً بالحياد والمساءلة والاعتراف بالإنسانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.