سام مرسي وكيران ماكينا.. هكذا كان درب إبسويتش تاون للعودة لـ”بريميرليغ”

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/22 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/22 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
مدينة إبسويتش، المملكة المتحدة - shutterstock

هنا في إبسويتش، المدينة التي تقع جنوب شرق إنجلترا، يوجد أحد أقدم أندية الجنوب الذي توج بلقب الدوري الإنجليزي سابقاً. "إبسويتش تاون" هذا الفريق العريق يحلم بالعودة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بعد رحلة طويلة مليئة بالتحديات والصعوبات، والتي تبدو كقصة خيالية عند سردها.

على غرار ليستر سيتي وباير ليفركوزن الألماني، نشهد اليوم أحد هذه المشاهد التي كانت تبدو مستحيلة في أذهان مشجعي هذه الأندية قبل سنوات. بعد الهبوط في موسم 2001-2002، عاش الفريق حالة من التخبط على الصعيدين الفني والإداري. ورغم اقترابه من العودة مجدداً في ثلاثة مواسم بعد الهبوط، ظل الفريق يعاني وأصبح من فرق منتصف الجدول. هذا التخبط أدى إلى هبوطه لدوري الدرجة الأولى الإنجليزي في موسم 2018-2019.

لكن التحول جاء في موسم 2022-2023، حيث حقق الفريق المركز الثاني في دوري البطولة الإنجليزية، مسجلاً أفضل معدل تهديفي وأقل نسبة استقبال أهداف. هذا الإنجاز لم يكن فقط إنجازاً رياضياً، بل أيضاً تحقيقاً لحلم طال انتظاره من قبل مشجعيه منذ الهبوط في بداية القرن الحادي والعشرين. الآن، الفريق يعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، محققاً الحلم الذي يراود مشجعيه منذ الهبوط في بداية هذا القرن الواحد والعشرين.

إنها قصة تستحق أن تُروى، ليس فقط لعشاق إبسويتش، بل لكل من يؤمن بأن الإصرار والعمل الجاد يمكن أن يقهر المستحيل.

الاستحواذ الأمريكي

لكن قبل الصعود إلى دوري البطولة الإنجليزية، دعونا نعد خطوة إلى الوراء ونستعرض بداية موسم 2021-2022، حيث شهد الفريق أحداثاً وتغييرات مثيرة.

في يوم 7 أبريل/نيسان من عام 2021، حدثت نقطة تحول في تاريخ النادي، عندما استحوذت مجموعة "GAMECHANGER 20 LIMITED" الأمريكية على الحصة الأكبر من أسهم النادي بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني. كان هذا الاستحواذ بمثابة شعاع أمل لجماهير إبسويتش، حيث قامت المجموعة بتسديد ديون تقدر بـ21 مليون جنيه إسترليني، بعد أن تنازل المالك السابق ماركوس إيفانز عن 80 مليون جنيه إسترليني كانت مستحقة له. بذلك أصبح النادي حراً من ديون تجاوزت 100 مليون جنيه إسترليني، مما أعاد الاستقرار المالي الذي طال انتظاره. وكانت هذه الخطوة تأتى بعد نجاح الاستثمار الأول للمجموعة مع نادى فينيكس رايسنغ الأمريكي في بطولة دوري المحترفين الأمريكي.

سام مرسي وكيران ماكينا.. هكذا كان درب إبسويتش تاون للعودة لـ
ملعب نادي إيبسويتش تاون لكرة القدم – shutterstock

لكن التحولات لم تتوقف عند هذا الحد. بعد الاستحواذ، تم تعيين مارك أشتون كمدير تنفيذي ورياضي. أشتون، الذي رأى أن المدير الفني بول كوك لا يوافق رؤيته لمستقبل وطموح الفريق. وقرر أشتون إقالة كوك واستبداله بمدرب يمتلك رؤية واضحة لتطوير اللاعبين الشباب. وقع الاختيار على الإنجليزي كيران ماكينا، الذي كان يتمتع بسجل حافل في هذا المجال.

من هو كيران ماكينا؟

كيران ماكينا، اللاعب الأيرلندي الشمالي الذي انتهت مسيرته الكروية في بدايتها عندما كان في الثانية والعشرين من عمره مع نادي توتنهام هوتسبير، لم يستسلم. بدلاً من ذلك، توجه لدراسة العلوم الرياضية في جامعة لوفبرا لشغفه باللعبة. بعد تخرجه، بدأ مسيرته التدريبية كمدرب لفرق الشباب في ناديي نوتنغهام فورست وليستر سيتي، حيث لفت انتباه نادي توتنهام هوتسببر الذي عينه رئيساً لتحليل أداء الأكاديمية. بحلول عام 2014، أصبح المدير الفني لفريق تحت 18 سنة وقاده إلى نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي للشباب.

خلال تلك الفترة، كان ماكينا يزور توتنهام هوتسبير ومانشستر يونايتد، مما أثار إعجاب رئيس أكاديمية مانشستر يونايتد، نيكي بَت، الذي قال عنه: "كنت أشاهد عمل كيران، واعتقدت أنه صغير ليكون لديه هذه الثقة فيما يفعل. هو بارع فيه. أي شخص تحدثت معه عنه كان يشيد به. هو متفانٍ في عمله وملتزم ومنظم لأقصى درجة ومتداخل في كل تفاصيل العمل".

وسرعان ما أصبح ماكينا المدير الفني لفريق تحت 18 سنة في مانشستر يونايتد، حيث كان مسؤولاً عن اكتشاف المواهب. لكن بعد موسمين ناجحين، جاءت نقلة نوعية في مسيرته.

فعندما غادر روي فاريا، مساعد جوزيه مورينيو أثناء تدريبه لمانشستر يونايتد، قرر مورينيو تصعيد ماكينا ليصبح مساعداً له. والذي استمر من بعد رحيل مورينيو أيضاً، ليعمل مع أولي جونار سولشاير، الذي أشاد به قائلاً: "هو المدرب الأكثر تعمقاً وتحليلاً الذي عملت معه. خطوة وراء خطوة، يجعل ما نريده من اللاعبين سهلاً ومفهوماً. يفعل ذلك كل يوم قبل كل مباراة، ذاكرته ورؤيته للتفاصيل خارقة".

هذا التطور أعد ماكينا لتحدٍ جديدٍ بعد اكتسابه خبرة كبيرة بالعمل مع مدربين بارزين؛ مثل جوزيه مورينيو، ماوريسيو بوكيتينو، وهاري ريدناب، وكذلك مع لاعبين نجوم مثل كريستيانو رونالدو، برونو فرنانديز وماركوس راشفورد. في حواره مع ديفيد بروتون من سكاي سبورتس، شرح ماكينا أهمية تطوير اللاعبين الشباب، التي تعلمها خلال عمله مع بوكيتينو وريدناب في توتنهام هوتسبير، كما اكتسب من مورينيو التفاني في العمل والجدية، ومن أندريه فيلاش بواش أهمية التواصل الجيد مع اللاعبين لخلق بيئة عمل إيجابية تشعرهم والتقدير والدعم.

الترقي إلى الدوري الإنجليزي

هذه التجارب والخبرات المتنوعة مهدت الطريق أمام كيران ماكينا ليصبح مدرباً مميزاً ببصمته الخاصة، حيث امتزج شغفه باللعبة مع التزامه بتطوير اللاعبين وصقل مواهبهم. وليس من المبالغة القول إن هذه العوامل كانت وراء الإنجاز التاريخي الذي حققه إبسويتش تاون.

مع إبسويتش تاون، بدأت الرحلة مع قدوم مارك أشتون كمدير رياضي جديد للفريق في موسم 2021-2022، وحينها استقطب المدرب الشاب كيران ماكينا. الثقة بماكينا وخبراته السابقة كانت واضحة، ففي منتصف موسمه الثاني تقريباً، قاد الفريق من المركز الحادي عشر إلى المنافسة على المراكز المؤهلة لدوري البطولة الإنجليزية الأعرق. خلال هذه الفترة، أدلى ماكينا بتصريح معبر: "لدينا 20 إلى 30 ألف مشجع يتابعوننا في دوري الدرجة الأولى، ليس لأننا نلعب كرة قدم جيدة فحسب، بل بسبب الأجيال التي شاهدت الفريق يفوز بالألقاب والتواجد مع كبار الكرة الإنجليزية، والآن يأملون أن يورثوا حبهم للنادي لأطفالهم وعائلاتهم. الأمر يتعلق بنا الآن لنريهم شيئاً جديداً".

إبسويتش تاون
مشجعو إبسويتش تاون – shutterstock

وإذا نظرنا لتصريح، ربما نستنتج نبذة عما بداخل هذا الرجل واحترامه الكبير للنادي ومشجعيه الذين ظلوا طوال هذا الوقت في الجانب المساند له ليصبح في النهاية صاحب أعلى معدل تهديفي ومحققاً العودة إلى دوري البطولة الإنجليزية.

أما بالنظر داخل الملعب، سنجد ماكينا اعتمد أسلوب لعب هجومي يعتمد على جماعية الفريق سواء في بناء اللعب أو إنهاء الهجمات، ويعتمد على بناء اللعب من الخلف في خطة 4-2-3-1 ينضم فيها الظهيران للهجوم أغلب الوقت، وكذلك للاعتماد عليهم في عملية الضغط العالى وافتكاك الكرة لذلك ترى لاعباً مثل ليف ديفيز (24سنة) الظهير الأيسر أكثر لاعب في الموسم مساهماً بتمريرات حاسمة 18 تمريرة حاسمة.

ولخبرته مع الشباب في الفرق السابقة، اعتمد ماكينا على عناصر أكثرها شابه تم شراؤهم أو أتوا على سبيل الإعارة مع بعض اللاعبين ذوي الخبرة بالدوريات الأدنى من الممتاز مثل: سام مرسى (10 مواسم في الدوريات الأدنى)، كاميرون بيرجيس (9 مواسم)، كونور شابلن (5 مواسم)، ماسيمو لونجو (8 مواسم). ليكلل الموسم بالنجاح والعودة إلى الدوري الممتاز، في عودة تاريخية لم تحقق منذ 12 عاماً.

هذه التجارب والخبرات المتنوعة مهدت الطريق أمام كيران ماكينا ليصبح مدرباً مميزاً ببصمته الخاصة، حيث امتزج شغفه باللعبة مع التزامه بتطوير اللاعبين وصقل مواهبهم. وليس من المبالغة القول إن هذه العوامل كانت وراء الإنجاز التاريخي الذي حققه إبسويتش تاون.

 سام مرسي 

لكن وراء كل نجاح مدرب هناك قائد ميداني لا يكل ولا يمل، وهنا نذكر اللاعب المصري سام مرسي. مرسي، الذي قضى 10 مواسم في إنجلترا، حقق خلالها دوري الدرجة الثانية مع تشيسترفيلد في موسم 2013-2014، ودوري الدرجة الأولى مرتين في موسمي 2015-2016 و2017-2018. جاء إلى إبسويتش تاون بطلب من بول كوك، المدرب الذي خلفه كيران ماكينا، ليصبح قائداً للفريق وأحد اللاعبين الأكثر تأثيراً، حيث كان ثاني أكثر لاعب قطعاً للكرات في الدوري بنسبة 67.2%.

في نهاية هذه المسيرة العظيمة لسام مرسي، جاء الحلم وكأنه مكافأة على كل هذا العمل. المجهود الذي كان يبذله في صمت، كان متفانياً في عمله داخل الملعب وخارجه. فعندما حدث العدوان الغاشم على قطاع غزة في فلسطين، سخر مرسي كل جهوده للحديث عما يحدث، رغم سكون وسكوت الكثيرين ممن كان يمكن أن يكون لكلامهم تأثير أكبر. لكنه لم يهتم، وواصل حتى تم إيقافه لمباراة من الاتحاد الإنجليزي. وبعد ذلك، ظل مستمراً في عمله خارج الملعب، مؤدياً دوره تجاه دينه، وعروبته، وإنسانيته.

إن صعود إبسويتش تاون إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لم يكن مجرد إنجاز رياضي، بل قصة ملهمة مليئة بالتحديات والتفاني. ماكينا ومرسي قادا الفريق بروح لا تعرف اليأس، مستندين إلى خبراتهما وتفانيهما، لتحقيق حلم طالما انتظره المشجعون. هذه الرحلة التاريخية تظهر أن الإصرار والعمل الجاد يمكن أن يتغلبا على الصعوبات ويحققا الأحلام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد خطاب
كاتب في المجال الرياضي
تحميل المزيد