أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بياناً تاريخياً يوم الإثنين الموافق 20 مايو/أيار، تضمن مذكرات اعتقال بحق بعض قادة الاحتلال الإسرائيلي. ووجهت المذكرة إلى الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ، وشملت أوامر اعتقال ضد المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، استناداً إلى أحكام نظام روما الأساسي. تضمنت التهم الإبادة الجماعية، والقتل العمد، والاغتصاب، والتعذيب، وتجويع المدنيين، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والاضطهاد، وكلها تصنف كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وكان كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أشار سابقاً في معرض تناوله للحالة في ليبيا وفلسطين وأوكرانيا أثناء اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 14 مايو/أيار 2022 أنه لن يرضخ لضغوط أقوياء العالم الذي يتمتعون بالقوة والنفوذ، مع تأكيده على مواصلة النضال من أجل العدالة، ومن أجل الضحايا. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تلك الطلبات بشأن الحالة في دولة فلسطين إنما جاءت نتيجة صدور قرار عن الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2021 حين تم توسيع الولاية الإقليمية (الاختصاص المكاني) للمحكمة المذكورة لتشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، أي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس، وذلك بناء على طلب من المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك فاتو بنسودا. وكنت قد تناولت تلك المسألة في مقال نشر في حينه.
اختتم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بيانه المذكور بالتأكيد على استعداده لتطبيق القانون على قدم المساواة دون انتقائية، كما جدد التأكيد على أن القانون الدولي الإنساني الذي يشكّل القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها السلوك الإنساني في أوقات النزاعات لا بد أن ينطبق على الأفراد كافة بالتساوي كون أن حياة البشر تتساوى في قيمتها.
ومن خلال قراءة قانونية لتلك الطلبات نستطيع القول إنه ربما العدالة القانونية الدولية قد تبدأ أن تأخذ مجراها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكن يجب التذكير بأن القرار النهائي بشأن تلك الطلبات لإصدار أوامر القبض سالفة الذكر إنما يكون بيد المحكمة التي قدمت لها الطلبات المذكورة، وليس بيد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كجهة اتهام لا تملك الإدانة. إذ تملك المحكمة المختصة إدانة الأشخاص المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أو إسقاط التهم عنهم، أو إدانة بعضهم دون البعض الآخر. كما تستطيع إدانتهم ببعض التهم الواردة دون البعض الآخر. وقد تسنى لي أثناء إقامتي في مدينة لاهاي في العام 2009 حضور بعض جلسات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ما أمكنني من التعرف عن كثب على طريقة إدارة جلسات تلك المحكمة، وطرق المرافعة والمدافعة التي ربما لا تختلف كثيراً عن المحاكم الجنائية الوطنية.
غير أنه لا بد من التأكيد في هذا السياق، وفي ضوء مهنتي القضائية سابقاً، خاصة عملي كمدعٍ عام لسنوات، على أن المدعي العام كأصل لا يقوم بتوجيه اتهام ضد أي شخص مشتبه به بارتكاب جريمة إلا بتوفر أدلة كافية للإدانة. وفي حالة الطلبات المقدمة من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن ما يحدث في فلسطين من مجازر بيد الاحتلال، يتضح قيامه ومكتبه بجمع الأدلة الكافية من مصادر مختلفة، ومن خلال شهادات مع ناجين وشهود عيان، ناهيك عن وجود لجنة محايدة من خبراء القانون الدولي الإنساني شكّلها بنفسه لفحص الأدلة قَدَّمَتْ له النصيحة والمشورة بشأن الطلبات المذكورة أعلاه، وفريق استشاري خاص به عمل على فحص تلك الأدلة والوقائع المادية المرتبطة بها، حسبما جاء في بيانه، ما يمكن القول معه أن بناء القضية القانونية كان مُحْكَمَاً من طرف مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أن قرار المحكمة المعنية ربما لن يحمل أية مفاجآت غير سارة للضحايا وأُسَرِهِمْ. وفي حالة قيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أحكام تتضمن مذكرات قبض بحق المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فإن كل دولة من الدول الأعضاء وعددها 124 دولة ينبغي عليها إلقاء القبض على المطلوبين للعدالة الدولية وتسليمهم للمحكمة تمهيداً لمحاكمتهم. لا بل إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ذهب أبعد من ذلك بإعلان نيته الطلب من الدول غير الأعضاء أيضاً التعاون في هذا الصدد حال صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الطلبات المعروضة عليها.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي بذلها الفلسطينيون خلال العقد الأخير ومتابعتهم لموضوع انتهاكات القانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة بعد الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة بناء على القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012، وانضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2015، ما مهّد لإصدار تلك الطلبات سالفة الذكر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.