تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط على وقع دخول حرب غزة شهرها الثامن، ويتسع حجم المتاهة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يتخبط فيها الاحتلال وداعموه في حربه على الفلسطينيين، تلك الحرب التي تزداد تشابكها وترابطها مع صراعات إقليمية وعالمية أخرى.
لذلك نرى اليوم، بخلاف المقاومة الفلسطينية على الساحة العملية للمواجهة التي وضعت أهدافاً محددة فيما يخص العملية العسكرية التفاوضية، وكذلك إسرائيل التي تريد تصفية قطاع غزة وتحويله إلى مشروع مستوطنات وتهجير سكانه، تمارس الأطراف الأخرى وخصوصاً الغربية مزيجاً مما يوصف أحياناً بالغموض الإستراتيجي وأحياناً أخرى بالخداع والمناورة والتضليل.
فالمعسكر الغربي المساند لتل أبيب يقدم صورة لمواقفه تجاه العملية العسكرية يترجمها البعض على أن فيها اختلافاً، في حين يقدر آخرون أن التفاوت ضئيل وهدفه أساساً خداع الفلسطينيين وكل من يريد وقف المذابح ضد الأبرياء في فلسطين، وذلك من أجل حماية بعض المصالح وتجنب الانتقادات خلال مواقيت أحداث معينة وعابرة في غالبيتها. وهكذا يشهد الرأي العام عملية مناورة وتخدير مقصودة من طرف المعسكر الغربي، للسماح بتوفير وكسب مدة زمنية معينة يأملون أن يكونوا خلالها قادرين على الوصول إلى الأهداف التي حددوها منذ البداية.
في إطار ذلك، يحاول الغرب أن يخفي حجم الفشل العسكري للاحتلال الإسرائيلي ولكنه حتى في ذلك يعاني من التخبط، ففي تل أبيب يقول المسؤولون إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ألحقت خسائر كبيرة بالمقاومة الفلسطينية وذهب الناطق باسم قوات الاحتلال إلى القول إنه تمت تصفية نسبة 75% من قوات حماس المقدرة ما بين 40 و60 ألف مقاتل، لكن وكالات الاستخبارات الأمريكية تشكك في حتى في ادعاءات إسرائيل المعدلة، وتعتقد أن إسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها المتمثل في سحق القوات العسكرية لـلمقاومة الصامدة بشكل مدهش لم يكن يتوقعه أحد.
في مؤشر آخر على مدى الحجم الكبير للفشل الإسرائيلي الأمريكي في معركة غزة، حيث لا يمكن لأحد أن ينكر أن واشنطن وتل أبيب يخوضان سوياً المواجهة ضد المقاومة الفلسطينية، مواقف وتصريحات لعدد من كبار الساسة في واشنطن بشأن إدارة المعركة والتي تعكس حجم يأسهم من تحقيق النصر، فعل سبيل المثال، وخلال هذا الشهر دعا السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) إسرائيل إلى قصف قطاع غزة بقنبلة نووية لإنهاء العملية العسكرية وتحقيق أهدافها.
وفي قراءة عنجهية لتاريخ الدموي يستشهد غراهام بأن الولايات المتحدة الأمريكية فعلت الأمر نفسه في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينات ضد اليابان التي شنت أولاً الحرب على الولايات المتحدة في بداية المواجهة بهجومها على قاعدة الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربور.
كل هذا الجنون من تصريحات وأفعال لأغلب السياسيين الغربيين بسبب صمود المقاومة إلى اليوم في وجه قوتهم الباطشه، إذ ترى الإمبراطورية الأمريكية وحليفتها إسرائيل هيمنتها تتراجع أمام مقاومة تحارب بأقل الإمكانيات لكنها رغم ذلك تكبدهم الخسائر على جميع المستويات.
في العقود الأخيرة، فشلت الجيوش النظامية في الدول الصناعية المتقدمة في قمع القوات غير النظامية وحركات التحرير والمقاومة بشكل كامل والتي دائماً ما تكون في وضع فيه لا تملك سوى جزء ضئيل من الموارد و الأسلحة. ولن نذهب بعيداً، فمنذ أقل من سنتين، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في قمع حركة طالبان وبناء حكومة بديلة مستقرة في أفغانستان رغم المحاولات التي استمرت 20 عاماً وكلفت مليارات الدولارات، فكانت النهاية الجلوس على طاولة المفاوضات مع من سموهم الإرهابيين وانسحاب من أفغانستان بصورة مذلةً.
ها نحن اليوم نقف بعد 8 أشهر من الحرب وأثناء بدء الاحتلال عمليته العسكرية في رفح، حيث يحتشد أغلب أهل غزة المدنين، ما زالت قوات الاحتلال الإسرائيلي أشد البعد عن تحقيق الأهداف العسكرية للحرب، بالإضافة لذلك، صاروا مسؤولون أمام العالم عن كارثة إنسانية ضخمة لا يمكن أن يتغاضى أحد عنها، ما قد يؤدي إلى عزلة دولية عميقة ومتزايدة للاحتلال وداعميه- ستؤثر على الاحتلال على كافة المستويات.
مع انتهاء الحرب سيكون وقع الهزيمة للاحتلال مدوياً أكثر مما يعتقد الكثيرون، وسيكون التأثير الإقليمي والعالمي للحرب أشد وطأة على الاحتلال حتى ولو استمرت واشنطن في دعمه سياساً واقتصادياً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.