المستعمرون الجدد.. كيف تحاول إسرائيل وأمريكا تدمير الدولة وإبادة الشعب وتصفية الهوية الفلسطينية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/18 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/18 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش

يسعى الغرب إلى تغطية الجرائم الإسرائيلية في غزة عبر الخطابات الجيوسياسية الفارغة والادعاءات الواهية تحت ستار الدفاع عن النفس والأمن، ولكن في الحقيقة ما يحدث في أرض قطاع غزة هو إبادة جماعية بكل المقاييس والمعايير الأخلاقية والقانونية والأعراف الدولية. وقد ردد المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي هذه الفكرة بشكل صريح وواضح، حيث أكد أن إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان إلى تدمير فلسطين الدولة والشعب. إن وجهة نظر تشومسكي، المتجذرة في الحقائق التاريخية والسياسية والجغرافية، توفر عدسة نقدية يجب علينا من خلالها فحص الفظائع الحالية التي يتعرض لها الشعب في غزة والضفة الغربية. 

إن من أفضل الأجوبة حول عمليات الإبادة الجماعية التي تحصل في غزة اليوم هو ما قاله العالم الأمريكي المشهور جداً تشومسكي في رده على سؤال: "ما رأيه في شعار تدمير إسرائيل على يد إيران؟"،

تشومسكي أيد هذا الشعار بكل وضوح ولكنه فسره بأنّ المسار الطبيعي للتاريخ سيشهد تفكك إسرائيل. ويشير شومسكي إلى أنّ هذا لا يعني تدمير أحد. أمريكا وإسرائيل هما الدولتان الوحيدتان اللتان تريدان تدمير دولة وأمة أخرى هي فلسطين. الإسرائيليون يعتقدون أنه يجب أن تكون هناك دولة واحدة فقط هي هم. هناك دولتان فقط في هذا العالم لا تدعوان فقط إلى مسح أمم ودول، بل تعملان على تدمير الأمم والدول الأخرى، هاتان الدولتان هما إسرائيل والولايات المتحدة. هذا هو موقفهما فيما يخص الفلسطينيين. وهما لا تكتفيان بالأقوال فقط إنما يقومان بتنفيذ ذلك كل يوم. وهذا ما يحدث أمام أعيننا في غزة والضفة الغربية اللتين ندعمهما وندفع ثمناً باهظاً مقابل هذا الدعم.

إن تأكيد نعوم تشومسكي بأن إسرائيل والولايات المتحدة هما الدولتان الوحيدتان اللتان تسعيان بنشاط إلى تدمير دولة وشعب فلسطين ليس مجرد ادعاء، بل هو حقيقة مدعومة بتاريخ قاتم من الاستعمار والاحتلال والعنف المنهجي.

 تاريخياً، الفلسطينيون هم السكان الأصليون للأرض، ويتألفون من المسلمين والمسيحيين واليهود الذين عاشوا في المنطقة قبل وقت طويل من تدفق المستوطنين الصهاينة. وأدى إنشاء النظام الصهيوني بدعم من الغرب المستعمر عام 1948 إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو الحدث المعروف باسم النكبة. ولذلك فإنهم هم من هجّر مئات الآلاف وقتل مئات الآلاف من الفلسطينيين ضمن عملية تطهير جماعية لشعب كامل.

ولا بد هنا من الإشارة إلى شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر"، الذي كثيراً ما يستخدم في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، والذي يعتبر وسيلة دفاعية ضد عمليات القمع المنهجية ضد التحركات الطلابية الداعمة لغزة. تم تجريم هذا الشعار من قبل بعض الحكومات الغربية، وأبرزها ألمانيا والنمسا والولايات المتحدة. إن إعلان وزارة العدل الألمانية مؤخراً أن استخدام هذه العبارة يشكل جريمة جنائية يسلط الضوء على مدى مساعي القوى الإمبريالية لقمع المشاعر المناصرة للفلسطينيين تحت ذريعة مكافحة معاداة السامية. 

تاريخياً، هذا الشعار استخدمته منظمة التحرير الفلسطينية على نطاق واسع كدعوة للعودة إلى حدود 1948. ويمثل تجريم هذه العبارة اتجاهاً مثيراً للقلق، حيث يتم تجاهل الدعوات المشروعة لحقوق وحريات الشعب المضطهد. وسبق أن قضت المحاكم الإدارية الألمانية بأن الشعار لا يدعو بطبيعته إلى الكفاح المسلح، معترفة بإمكانية تحقيق أهدافه بالوسائل السلمية. ويسلط هذا التحول في السياسة الضوء على استراتيجية أوسع لنزع الشرعية عن النشاط المؤيد للفلسطينيين وقمعه.

ولا يقتصر الغرب المنافق عن خنق المظاهرات الطلابية بل يسعى إلى تشويهها إعلامياً. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، انحرفت الرواية حول العدوان الإسرائيلي على غزة بشدة لصالح إسرائيل. ولم تحجب وسائل الإعلام الغربية، وخاصة في ألمانيا والولايات المتحدة، الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون فحسب، بل استهدفت أيضاً الأكاديميين والناشطين الداعمين لغزة. إن الهجوم الذي شنته صحيفة بيلد الألمانية على أساتذة الجامعات الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية يجسد هذا التواطؤ الإعلامي. وعلاوة على ذلك، فإن مكانة ألمانيا باعتبارها ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الشرق الأوسط وإسرائيل، بعد الولايات المتحدة، تكشف عن نفاق صارخ. ففي حين تدين هذه الدول المقاومة الفلسطينية على دفاعها المشروع عن شعبها ومقدساتها، فإنها تعمل على تغذية العنف الإسرائيلي الذي تزعم أنها تمقته من خلال تزويد إسرائيل بالقدرات العسكرية اللازمة لمواصلة احتلالها وعدوانها. وتسلط هذه الازدواجية الضوء على تواطؤ القوى الغربية في حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.

يُظهر النمط التاريخي للحروب التي بدأتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة بحسب تشومسكي، نية واضحة ليس فقط للسيطرة، بل لمحو أمم بأكملها. ففي غزة، على سبيل المثال، فإن حجم الدمار الهائل الذي ألحقته القوات الإسرائيلية بالبنى التحتية صادم وغير مسبوق. فبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد ألقت إسرائيل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزة خلال شهر واحد فقط، وهو ما يعادل قنبلتين نوويتين. وهذا يفوق القوة التدميرية للقنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي إذا أخذنا في الاعتبار التقدم التكنولوجي في المتفجرات الحديثة. 

إن التأثير المدمر لهذه القنابل ذات الأوزان الثقيلة على غزة، وهي منطقة لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً مقارنة بمساحة هيروشيما البالغة 900 كيلومتر مربع، لا يمكن فهمه إلا في سياق توحش إسرائيلي وأمريكي ضد شعب أعزل. يؤدي استخدام المتفجرات المتقدمة مثل RDX إلى تضخيم الدمار بشكل أكبر، ما يعكس استراتيجية محسوبة لتحقيق أقصى قدر من الدمار. وهذا النمط من القوة المفرطة لا يقتصر على إسرائيل فحسب، بل لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من الفظائع المماثلة، بدءاً من الإبادة الجماعية في العراق، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من مليون مدني، إلى الدمار الذي حدث في أفغانستان وفيتنام وسوريا واليابان وغيرها من المناطق التي تدخلت فيها الولايات المتحدة. 

تؤكد الولايات المتحدة على أيديولوجية إمبريالية مشتركة مع إسرائيل تسعى إلى محو الهوية والوجود الفلسطيني. كما أن دعمها الذي لا يتزعزع لإسرائيل، على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري، يسهل استمرار قمع الفلسطينيين وتشريدهم. وهذا التحالف لا يشجع إسرائيل فحسب، بل يورط الولايات المتحدة أيضاً في الإبادة الجماعية المستمرة. تشير حقائق الحروب التي شنتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أن هذه الدول لا تعلن فقط رغبتها في محو وتدمير أمم بأكملها، ولكنها تعمل بنشاط على إبادة هؤلاء السكان والشعوب بشكل جماعي ومشترك.

ختاماً، إن محنة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية هي مثال صارخ على الإبادة الجماعية في العصر الحديث، التي ترتكبها إسرائيل بدعم ثابت من الولايات المتحدة. إن تحليل نعوم تشومسكي، الذي يرتكز على الواقع التاريخي والسياسي، يكشف الحقيقة القاسية وراء خطاب الأمن والدفاع عن النفس. إن تجريم الشعارات المؤيدة للفلسطينيين، وتواطؤ وسائل الإعلام الغربية، والموقف المنافق للدول الموردة للأسلحة إلى إسرائيل، يزيد من ترسيخ هذا الظلم ويزيد من مشاركة هذه الدول في الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل لتصفيته وتصفية هويته. لقد حان الوقت للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بإنهاء الاحتلال، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الفظائع. إن مستقبل فلسطين يعتمد على صوتنا الجماعي وعملنا ضد قوى القمع والإبادة الجماعية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد