يتعرض مخيم جنين بشكل شبه يومي منذ أكتوبر المنصرم لعمليات قتل وتدمير إسرائيلية ممنهجة، حيث يعتبر بؤرة كفاحية أساسية ضد المحتل الإسرائيلي منذ زمن بعيد بهدف تحرير الوطن الفلسطيني ورحيل نظام الإبادة الجماعية إسرائيل من جنباته.
النكبة ونشأة المخيم
إثر نكبة عام 1948، اضطرت أسر عديدة من قرى الساحل الفلسطيني وخاصة من حيفا إلى التوجه تحت وطأة المجازر الصهيونية شرقاً الى مدينة الشهداء جنين، حيث استشهد المجاهد العربي عز الدين القسام دفاعاً عن عروبة فلسطين في نهاية عام 1935 ودفن ضريحه في قرية بلد الشيخ إحدى قرى قضاء حيفا والتي ينتمي إليها معد هذه السطور. ومنذ عام النكبة بقيت أنظار اللاجئين في جنين القسام مصوبة باتجاه قراهم الوادعة على بعد أربعين كيلومتراً من الغرب. وفي عام 1953 أنشأت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأونروا مخيم جنين من الجهة الغربية لمدينة الشهداء على مساحة تقدر بنحو 272 دونماً. إضافة إلى 19 مخيماً في مناطق الضفة الفلسطينية الأخرى.
وبفعل الزيادة الطبيعية التي تتعدى 4% سنوياً ارتفع مجموع اللاجئين في المخيم ليصل إلى 13 ألف لاجئ خلال العام الجاري 2024، واتسعت مساحة المخيم لتصل إلى 480 دونماً، أي حوالي نصف كيلومتر مربع.
ويشكل الأطفال دون الخامسة عشر من العمر نحو 50% من إجمالي سكان مخيم جنين أي نحو 6500 طفل فلسطيني، الأمر الذي أدى إلى رفع معدلات الإعالة بين قوة العمل في المخيم لتصل إلى مستويات عالية مقارنة بباقي تجمعات الفلسطينيين. وتعمل النسبة الكبيرة من قوة العمل في المخيم الصامد بالأعمال المهنية المختلفة في مدينة جنين، كما تعمل نسبة لا بأس بها في قطاع الزراعة، حيث تشتهر مدينة جنين القسام بمزروعاتها المختلفـــة.
وتشكل الإناث نصف المجتمع الفلسطيني في مخيم جنين، ويلاحظ أن نسبة مشاركتهن في النشاط الاقتصادي قليلة مقارنة بالتجمعات الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية، التي تضم 20 مخيماً تديرها وكالة الأونروا. ومرد ذلك إلى التركيبة الاجتماعية الخاصة. وأصبح مخيم جنين يتبوأ المرتبة الثالثة من حيث المساحة هناك بعد مخيمي عقبة جبر وعين السلطان. وفي هذا السياق يذكر أن مساحة مخيمات الضفة قد وصلت إلى نحو 20 ألف دونم تمثل نحو 31% من مساحة المخيمات التي تديرها الأونروا والبالغ عددها 59 مخيماً في كل من ســوريا والأردن ولبنان والضفة وقطاع غزة.
تعود أصول غالبية اللاجئين الفلسطينيين في مخيم جنين الصمود إلى قرى قضاء حيفا، وخاصة عين غزال وجبع وعين حوض والطنطورة وغيرها من قرى مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني.
استمرار الكفاح
شارك أهالي المخيم في كافة المناسبات الوطنية. كما انخرط العديد منهم في فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني منذ بداية الستينات وقدموا عشرات الشهداء خلال الفترة المذكورة. ومنذ انطلاقة انتفاضة الأقصى قدم مخيم جنين عشرات الشهداء بينهم العديد من الاستشهاديين، حيث أصبح يطلق عليه اسم مخيم الشـهداء. ومع بدء هجوم الجيش الاسرائيلي على مخيم جنين في 29/3/2002 برز اسم مخيم جنين إلى الأمام على أنه مخيم الصمود والأسطورة في الضفة الغربية، حيث لم تتمكن الدبابات الإسرائيلية من إخضاع المدافعين عن المخيم، فأصبح كل فرد منهم مشروع شهادة. وكانت الشهيدة إلهام الدسوقي 42 عاماً رمزاً لتلك الأسطورة، حيث فجرت نفسها في تجمع لجنود الاحتلال حاولوا اقتحام منزلها فقتل 13 جندياً وجرح سبعة جنود آخرين.
وقد اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك بصمود مخيم جنين وبسقوط عشرات القتلى والجرحى من جيش الاحتلال على أبواب المخيم، والثابت أن وحدة الميدان كانت حاضرة لمواجهة المحتل، فسطع أسماء شهداء كثر منهم الشهيدان أبوجندل من حركة فتح ومحمود الطوالبة من حركة الجهاد الإسلامي، و قد كان لإرادة أهالي المخيم في الثبات على الدوام بالغ الأثر في صمودهم وتحطيم كبرياء آلة الحرب العسكرية على أبواب المخيم الصغير بمساحته الكبير بأهله وكفاحهم المستمر بكافة الوسائل المتاحة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.