حق العودة -حسب أدبيات الدكتور الباحث سلمان أبوستة– "مقدس وقانوني وممكن وحتمي"، في وقت تواتر الحديث الإعلامي خلال السنوات الأخيرة حول مشاريع لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر تصفية الأساس القانوني لحق عودتهم إلى ديارهم، حيث بدأ مشرّعون أميركيون تحرّكاً لسن قانون جديد من شأنه تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر الاعتراف بـأربعين ألف لاجئ فلسطيني، يمثلون نحو 1% من أصل أكثر من سبعة ملايين. وثمة تقديرات بأن نسبة اللاجئين الفلسطينيين الذين وُلدوا في فلسطين لم تتجاوز نسبتهم 2% من مجموع اللاجئين خلال العام الحالي 2024، الأمر الذي يؤكد أن أمريكا تسعى إلى تغيير تعريف صفة اللاجئ الفلسطيني الذي اعتمدته الأونروا منذ نشأتها عام، وتحصره فقط باللاجئين من مواليد فلسطين مع استبعاد ذريتهم الذين تعتبرهم الوكالة من عداد اللاجئين الفلسطينيين وتنطبق عليهم القرارات الدولية وخاصة قرار حق العودة 194 لعام 1948 والقرارات ذات الصلة.
مسعى أمريكي
يمكن الجزم بأن المشروع الأمريكي يتجاوب إلى حد كبير مع التوجهات الإسرائيلية لشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وقد نقل عن ممثل إسرائيل السابق في الأمم المتحدة رون بريسور قوله "إن العقبة الرئيسية في وجه عملية السلام هي حق العودة للاجئين الفلسطينيين وليس المستوطنات". واعتبر بريسور أن نقل صفة لاجئ لتمنح إلى أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا قراهم ومدنهم بعد قيام إسرائيل، هو أمر مضلل، منوهاً إلى أنه في عام 1950 وصل عدد اللاجئين إلى 850 ألفاً، وأصبح عدد هؤلاء اليوم أكثر من سبعة ملايين لاجئ، مشيراً إلى أن الأمر يعتمد على كيفية وأسس تعدادهم. وانتقد بريسور سياسة وكالة الأونروا التي تسمح للاجئين الفلسطينيين بنقل هذه الصفة لأطفالهم، معتبراً أن ما تقوم المنظمة الدولية في هذا الشأن مضلل. وتبعاً لذلك تم عقد مؤتمر صغير في نادي "هارفارد" في مانهاتن بنيويورك قبل شاركت فيه شخصيات وخبراء من بينهم بريسور، الذي تناول موضوع اللاجئين الفلسطينيين واعتبر أن قضيتهم هي القضية الأساسية التي تعيق التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد ركز مؤتمر هارفارد على ضرورة صياغة تشريعات في الولايات المتحدة تهدف إلى إنهاء عملية "النقل الأوتوماتيكي" لصفة لاجئ من الأب الفلسطيني إلى أبنائه، تلك العملية التي تجري منذ عام 1948.
جنباً إلى جنب مع المسعى الأمريكي الإسرائيلي لشطب حق العودة عبر تغييب الأساس القانوني، تحاول المؤسسة الإسرائيلية اختلاق فكرة لاجئين يهود لمواجهة القرارات الدولية الداعية إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين نوفي مقدمتها القرار 194 الصادر في عام 1948 والقرارات الدولية ذات الصلة. وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً عن وثيقة رسمية إسرائيلية تتضمن الموقف الرسمي الذي يفترض أن تعرضه إسرائيل في قضية "اللاجئين اليهود" في الأروقة الدولية.
وتعتبر الوثيقة حصيلة قرار سياسي إسرائيلي مصدره رئاسة الحكومة، حيث يفرض على المفاوض الإسرائيلي أن يجعل ما يسمى مشكلة النازحين اليهود من الدول العربية قضية أساسية إبان مفاوضات محتملة حول الحل الدائم مع الطرف الفلسطيني. ومن دون حل هذه القضية، فإن القرار الإسرائيلي هو عدم الموافقة على إعلان إنهاء الصراع. وتشير أنباء إسرائيلية إلى أن الوثيقة تم إعدادها من قبل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بأمر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
متضمنات الوثيقة
تضمنت الوثيقة المذكورة بشكل أساسي توصيات بشأن كيفية تعامل إسرائيل مع قضية اللاجئين اليهود، وفي مقدمتها المطالبة بالتعويضات لليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى "إسرائيل" كنقطة تفاوضية مهمة على طاولة مفاوضات محتملة مع الطرف الفلسطيني، بل وجعل تلك النقطة جزءاً لا يتجزأ من التفاوض حول قضية اللاجئين الفلسطينيين. وتذهب الوثيقة إلى أبعد من ذلك، حيث تعرّف اللاجئ اليهودي من الدول العربية بأنه اليهودي الذي ترك بيته في الدول العربية وهاجر إلى "إسرائيل". أما عدد هؤلاء اللاجئين فقد جرى احتسابه ابتداءً من تاريخ قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1947 وانتهاء بعام 1968. ووفق هذا المعيار، أحصت الوثيقة 800 ألف لاجئ يهودي، في مقابل 600 إلى 700 ألف لاجئ فلسطيني خلال الفترة المذكورة.
ومن نافلة القول أن المشروع الأمريكي هو مسعى غير قانوني ولا يمكن أن يؤثر شيء على الوضع الراهن، وهو جزء لا يتجزأ من دعم التوجهات الاسرائيلية الرامية إلى إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم فلسطين، ويتوافق مع قانون القومية الإسرائيلي التهويدي العنصري، الذي يعتبر الحجر الأساس، حيث يستهدف الحقوق الفلسطينية برمتها. والثابت أن حقوق اللاجئين الفلسطينيين محمية بموجب القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة رقم "194" والقرارات الدولية ذات الصلة التي أكدت عليها، ولا يمكن تجاوزها، ولا يحق لمجلس الشيوخ أو الكونغرس الأمريكيين، تجاوز القانون الدولي وفرض قوانينهما على دول العالم وعلى الشعب الفلسطيني الذي أكدت على حقوقه الوطنية الثابتة رزمة من القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وهيئات الأمم المتحدة الأخرى، في وقت مزق فيه ممثل إسرائيل في المنظمة الدولية ميثاقها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.