تُحركنا دائماً قوة خفية، قوة عميقة داخلنا، قوة ليس لها مثيل إن فقهناها، فهي ذات سلطة على صاحبها، تقينا من ضياع الأوقات، وهدر الطاقات فيما لا نفع فيه، هذه القوة هي قوة المسؤولية، فالمسؤولية منبعها الضمير الذي ينتج باختلاف الأشخاص، وباختلاف اهتماماتهم، فالحب والكره والأمان والخوف مصادر تحرك تلك القوة، فحب الأسرة يجعل الفرد يتعين عليه تحمل المسؤولية، فتكون المسؤولية حينها غريزة نتجت عن حب الأسرة، وأحياناً عن خوف من جلب الجوع أو الفقر، فتكون تلك غريزة أخرى أنتجت تلك القوة، وهكذا مع باقي أمور حياتنا تتبلور تلك القوة، ولكن السؤال هنا لماذا رغم تلك الغرائز التي من المفترض أن تحرك قوة المسؤولية داخل جميع البشر، فإن هذا لا يحدث لدى الكثير من الناس، أهناك ما هو عائق لذلك؟!
فالعوائق شتى ليس على السبيل الشخصي فقط، بل أيضاً على السبيل المجتمعي، فالمسؤولية تحتاج أن تنمَّى منذ النشأة، فالإنسان الذي تعوَّد على أن كل شيء يأتيه بلا تعب أو كلل، فذلك بلا منازع سيكون إنساناً عديم الضمير وعديم المسؤولية، فهو لم يذُق طعم الجهد أو الشعور بالآخرين، فهو لا يدري ما المشاعر التي من المفترض أن تتغلغل داخل النفس النقية الصادقة، ولكني لا أتكلم هنا على من رزقه الله عائلة غنية أو مترفة، فليس كل من رزقه الله ذلك لا يشعر بالمسؤولية، بل هناك الكثيرون منهم من يتحملون مسؤولية عائلتهم عندما توكل لهم مهمة ما.
فلنضع جميع أنواع المسؤوليات جانباً، ولنتحدث عن أهم أنواع المسؤولية، وهو مسؤوليتنا أمام أمتنا العربية والإسلامية، إنها المسؤولية الأسمى والأولى من كل شيء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ) رواه مسلم.
فعندما نرى قطعة من أرض تغتصب ولا نتكلم، ونكون كالبهائم أو أشر سبيلاً، فعندها لا نستحق أي لقب من الشرف، ونكون بلا ضمير أو مسؤولية، فما يحدث الآن في فلسطين، بالأخص في غزة ورفح الفلسطينية، هذا ما يدل على وصولنا إلى قاع الفساد وموت الكرامة في أمتنا، نرى ما يحدث ونظل صامتين، نرى ما يحدث ونظل منكسرين، أليس هذا من أخس الأزمنة التي تمر بها الأمة؟!
فالمسؤولية ليست كلمة تقال هباءً أو صفة سهلة المنال، بل هي تحتاج إلى عمل يصحبها، إلى يقين يشعلها، فهي منبع الشرف والضمير، وعلو لصاحبها وأهله، فالإنسان يمشي في الحياة كالسكران إلى أن يوقن أن لديه أموراً أخرى من المفترض أن يتحمل مسؤوليتها، ويتحمل توابعها مهما كان خيرها أو شرها، فنحن نتحرك في هذه الحياة بأمرين؛ الألم، والمتعة، فالألم من فقدان شيء أو المس بضرر يجعلنا نُدفع للعمل، أما المتعة بعد الإرهاق ككسب الأموال بعد الانتهاء من عمل ما يجعلنا نصبر على التعب الأولي، وهناك أمثال عدة لذلك كالطالب الذي يجبر نفسه على المذاكرة لينجح، فالمسؤولية فطرة إنسانية، وغريزة لا تنفك من الإنسان، إلا ولو أراد أن ينفك منها ويتجرد من ضميره.
ففي النهاية نقول إن المسؤولية هي مصدر كل الأعمال ونجاحها، ومصدر كرامتنا وشرفنا، والمسؤولية كما فُصِل سابقياً هي فعل سامٍ لا يُقدره إلا من كان له ضمير يقظ، فعلينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على تلك الصفة الحميدة؛ لكي لا نستيقظ بعد سنوات ونرى انحدارنا يزيد انتكاساً، والذل يلحقنا في آخر الزمان، ونبقى في أراذل الأمم، فبعض المسؤولية تقينا من مصارع السوء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.