متى يحاسب العالم “الفاشية الإسرائيلية”؟!

تم النشر: 2024/05/14 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/14 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - رويترز

في يوم تساءل بابلو نيرودا، الشاعر التشيلي، وأحد أعظم شعراء أمريكا اللاتينية عن مصير أدولف هتلر، وبهذا التساؤل فتح قضية من التاريخ السياسي الحديث كمساءلة زعيم النازية على جرائمه ضد الإنسانية. كانت تساؤلات الرفيق نيرودا منطقية؛ إذ لا يمكن نجاة هتلر من هذه الجرائم الفظيعة ومجازر الأطفال. وانتحاره ليس كافياً وهزيمته في الحرب ليست حجة لعدم مساءلته عن ملايين البشر الذين قتلهم هو وتابعوه بدافع نزعة راديكالية غير سليمة وأفكار نازية عززت قتل الأبرياء، وجعلت العرق الآري هو أفضل الأعراق البشرية والنازيين هم الأحسن والأقوى.

لذا تساءل نيرودا عن هتلر قائلاً: أي شغل شاق يقوم به هتلر في الجحيم؟ يدهن الحيطان أم الجثث؟ يستنشق أدخنة الموتى؟ هل يطعمونه رماد الأطفال المحروقين؟ أم يسقونه منذ انتحاره دماً يشربه من القمع؟ أم يطرقون في فمه الأسنان الذهبية المقلوعة؟ أم تنهشه ألسنة النار بلا رحمة؟ أم يمضي بلا راحة ليل نهار مع سجنائه؟ أم ينبغي أن يعذب بلا أي موت أبدي؟ 

إذاً هتلر مجرم، والنظام النازي شمولي أوجدته بعض من الفلسفات الغربية. والمجازر النازية كانت جريمة في حق الإنسان. كما أن تساؤلات نيرودا عن مآلات هتلر مقبولة من حيث النزعة الإنسانية ويفرضها الضمير الأخلاقي على أي شاعر سياسي. الحرب العالمية الثانية شكلت تعاطفاً سياسياً في أوروبا والمحرقة النازية أنتجت ظاهرة "بوليتيك سوسيولوجية" شكلت بدورها ما يعرف "بمعاداة السامية" وهذا ما يدفعنا إلى مناقشة هذه القضية مقارنة بما يمكن أن أسميه "محاكمة النازية" لشرح الفكرة.

لسنا بشعراء لكن نحن أيضاً من حقنا أن نتساءل: من سيحاكم وسيحاسب بنيامين نتنياهو على قتل هذا العدد الهائل من الأبرياء؟ من سيعاقب جو بايدن على بيع الأسلحة لإسرائيل؟ كيف تجاهل نتنياهو جثث الأطفال المحترقة بغزة؟ وبأي قلب ساهم بايدن في قتل النساء في غزة؟ لماذا يدعمون نتنياهو بالرغم من احتراق جثث الأطفال والنساء؟ أي عقوبة سيتلقاها نتنياهو بسبب جرائمه في غزة؟ وما تبريرات من يساندون إسرائيل لهذه المجازر؟ لماذا لم يوقف مجلس الأمن الدولي النار بغزة؟ لماذا لم تصدر محكمة العدل الدولية مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو؟ ولماذا لا يعتقلون معه بايدن؟ أليس حليفه في هذه الحرب؟ لماذا صدرت إذاً بحق بوتين وحده؟

الفاشية الإسرائيلية

أعتقد أن العالم لم يشهد كماً من التناقضات على مر التاريخ مثل التناقضات التي نشاهدها اليوم في حرب غزة. فعندما أقام النازيون معسكرات الاعتقال لم يتوقف العالم عن التنديد منذ القرن الماضي حتى اليوم بما فعلته مجازر النازيين والمحارق الهتلرية بحق الأبرياء حتى بعد الحرب لم يتوقف الغرب عن معاقبة النازيين وصناعة الأفلام الوثائقية عنهم وعن مساوئ أفكارهم، وحاول الغرب أن يستفيد أيضاً لدعم هيمنته وتطهير نفسه، فعمد على إخراجهم وكأنهم هم فقط الأشرار في التاريخ.

ولكن في غزة اليوم، ها هو الغرب نفسه بنفس العقلية النازية وبنفس الأساليب يحاول إبادة الفلسطينيين لكن تحت مسميات أخرى "دفاعاً عن النفس"، ويقتل الأطفال والنساء بادعاءات القضاء على حماس. هنا يكمن السقوط الحر الأخلاقي والتخلف السياسي والتناقضات الأخلاقية التي ينطلق منها الساسة الغربيون، فبينما يحاكمون النازية إلى اليوم، يدعمون نتنياهو الذي يتبع نفس الأساليب والفكر العنصري الإجرامي في حربه على الفلسطينيين، وما يسير السخرية أنهم يتهمون كل من يقف ضد هذا الفكر الفاشي والمتوحش بمعاداة السامية! التي كانت حكراً على أوروبا.

اعتقد أن النازية سلوك، لذا قد يرتكبه أي نظام سياسي متطرف مثل المتطرفين في حكومة نتنياهو وجيشه الذي يتوغل الآن بشوارع رفح ويدك أحياءها الفقيرة ويقصف الخيام بالصواريخ ويطارد اللاجئين من الأطفال والمدنيين. إن هذا سلوك نازي صريح وبطش مخيف وتجاوز في حق الإنسان لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري، فهو اليوم مدعوم من الأنظمة الغربية. وبالجملة أقول: إن معاداة السامية تقتضي معاداة النازية وجميع أشكالها وإن تغيرت المسميات. 

بينما يحتفل الغرب كل عام بالقضاء على النازية في أوروبا يشجع اليوم على قتل الأطفال والنساء بغزة، بل ويمد نتنياهو وحكوماته المتطرفة بالذخيرة والأسلحة للفتك بالأبرياء. ربما أتفق مع سمير عطا الله بمقولته الرائعة في صحيفة الشرق الأوسط عندما وصف الكتاب بأنهم مجموعة من الضعفاء الذين تغلي بهم الأرض ولا يستطيعون شيئاً. وأتفق معه أيضاً بأن سجَّل الغزيون سابقة في تاريخ اللجوء والحروب. قال حكمته هذه في مقاله "العالم في ثلاثة من النمسا"، لكني أضيف اليوم أن العالم كله وقف لمساعدة النازية في ثوبها الجديد بدلاً من معاداتها إلا الكتاب وطلبة الجامعات، فها هم يقفون رافضين لكل الأساليب الفاشية، وإن أيدتها حكوماتهم، رافعين شعار الإنسانية للدفاع عن الأبرياء بغزة من الفلسطينيين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدة جعفر مولاي الزين
كاتب وصحفي موريتاني
تحميل المزيد