ظاهرة الاعتصام التي تحدث اليوم في بعض الجامعات التركية بمبادرات فردية من الطلاب أمر يدعو للتفكير والتأمل في المشهد الحالي، ويبشر بمستقبل جديد على صعيد الشباب في العالم كله، في هذه المقالة أحاول رصد ما يحدث في جامعة تشكروفا التركية.
نظم عدد من الطلاب في جامعة تشكروفا التركية اعتصاماً مفتوحاً لدعم غزة في الأيام القليلة الماضية، وقد جاء هذا الاعتصام بتأثر مباشر من الأحداث التي شهدتها جامعة كولومبيا من اقتحام الأمن للحرم الجامعي واعتقال الطلاب والأساتذة، الأمر الذي أثار حفيظة الشباب الأمريكي وأصبح يبادر بالدعم والاعتصام في الجامعة، ليس فقط من أجل غزة بل من أجل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير الذي لطالما أدعوه في البلاد الغربية وعلى رأسهم أمريكا.
ملخص المشهد في أحداث جامعة كولومبيا
كانت صدمة الطلاب والشباب الأمريكي كبيرة في رموزهم وقادتهم من هذا التضييق والتعسف الذي طالهم من مجرد التظاهر وإبداء الرأي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ حيث من الطبيعي في مجتمعاتهم التظاهر في الجامعات والمؤسسات الرسمية، وغير الرسمية في أمور سياسية واجتماعية طوال الوقت دون حدوث مثل ما حدث مع متظاهري جامعة كولومبيا، والانتخابات الأمريكية الأخيرة بين الرئيس الحالي "جو بايدن" والرئيس السابق له "دونالد ترامب" تشهد بذلك أمام الشباب الأمريكي.
اعتصام جامعة كولومبيا شهد دعماً كبيراً من الشباب والذي أصبح موجة تلتها موجات كثيرة وتحول الاعتصام إلى اعتصامات في أنحاء الجامعات الأمريكية وأصبح تعرض الطلاب للاعتقال إثر التظاهر والاعتصام عملاً بطولياً يتسابق إليه الشباب من مختلف الأيديولوجيات.
ما الغريب من الاعتصام داخل جامعات تركيا؟
الأمر الغريب الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو ما حدث في تركيا، لأن تركيا من البلاد المعروف والمعلن عنها الموقف الداعم لقضية فلسطين ولغزة على مر الأحداث، حتى إن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قد دعا الشعب للتظاهرات في الشوارع والميادين بعد أحداث طوفان الأقصى، وقاد بنفسه تظاهرة مليونية في إسطنبول وتفاعلت معها قطاعات واسعة من الشعب التركي.
لكن حتى مع كل هذا الدعم لم تقم سوى مظاهرة واحدة في جامعتي الذي أدرس بها حالياً، جامعة تشكروفا في مدينة أضنة جنوب تركيا، بينما قام اعتصام بمبادرة فردية من الطلاب الأتراك بعد أحداث جامعة كولومبيا، مما يشي بالتأثر القوي والواضح للطلاب وتأثرهم ببعضهم البعض.
المثير للدهشة أن الطلاب في تركيا استجابوا لفعل الطلاب في أمريكا دون طلب أو دعوة، بل شعور ما دفعهم للقيام بهذا الاعتصام، ولعل هذا دليل على قوة ووعي الشباب وطلاب الجامعات، في القلب منهم كما كان دور الطلاب دائماً في الوقوف بجانب الحق والدفاع عن المظلوم على مر التاريخ دون مقابل أو طمع في منصب سياسي، أو لعل الطلاب الأتراك قد شعروا بالتقصير ناحية الضحايا في غزة حينما رأوا الطلاب الأمريكان الأبعد في الفكر والمسافة للشعب الفلسطيني قد وقفوا للدعم، والصلات العربية التركية أقدم وأقوى بكثير، مما دفعهم لتقليد الاعتصام.
رسالة أخيرة للشباب العربي
لا يهم كثيراً الدافع وراء ما فعلوا، بل يهم أن اعتصام الطلاب في أمريكا: هو وقوف موقف الحق الذي يدافع عن المظلوم حتى لو اختلف مع أفكاره، وهذا الموقف المشرف الذي يسّطره الشباب الحر على ضعفه وقلة إمكانياته قادر على إيصال رسالة إلى العالم وعلى التأثير أبعد مما يظن من بدأوا هذا الاعتصام.
أخيراً، أقول إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو محاولة لقول كلمة حق، مثلما فعل أصحابنا في أمريكا، وفي تركيا، وعليك أيها القارئ أيضاً أن تفعل ما بوسعك للوقوف بجانب الحق على قدر ما تستطيع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.