شيرين أبو عاقلة وأبطال آخرون.. هكذا تحاول إسرائيل قتل الحقيقة

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/13 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/13 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة - رويترز

في عالم يطغى عليه الظلم والاستبداد، تبرز الكلمة كسلاح للمهمشين ضد القمع. وتتقدم الصحافة، باعتبارها حجر الزاوية للحرية، في خطوط المواجهة الأمامية لكشف الحقائق وفضح الظلم. لذا، بقيت شيرين أبو عاقلة، حتى بعد رحيلها من عالمنا، حية في وجداننا جميعاً بشجاعتها وإخلاصها، وتحولت إلى رمز للكفاح والتفاني في سبيل الحقيقة والعدالة.

مسيرتها المهنية وإصرارها على تصوير الواقع الفلسطيني بكل تحدياته الشديدة جعلت منها بطلة في أعين الكثيرين وعدوة للمحتل وداعميه. وكان اغتيالها ليس إلا تأكيداً على بشاعة الاحتلال وخوفه من الحقيقة، وعندما تصبح كلمات الصحفيين التي تنطق بالحق قلية عليه، يقرر إسكاتها بالرصاص. ولكن عبثاً يحاول، فبدلاً من دفن الحقيقة، أصبحت قصة شيرين مشعلاً يضيء درب النضال من أجل الحرية والعدالة لجيل تربى على تقاريرها وكلماتها، وأصبحت رمزاً لأجيال كبرت بل للأجيال قادمة ستسأل عن قصتها.

فخلال عملها كصحفية، تنقلت شيرين بين جبهات الحرب، واضعة نفسها في قلب الأحداث لتنقل صورة لم تشوّهها يد الرقابة. كانت تعلم أن كل قصة ترويها هي ضربة في جدار الاحتلال. مع كل تقرير وكل مقابلة، أصبحت شيرين صوتاً لا يمكن تجاهله، معبرة عن آمال وآلام شعبها بكلمات تلامس القلب والعقل. فلم تكن مجرد مراقبة أو ناقلة، بل كانت مشاركة، فعلى مدار ربع قرن، شكلت شيرين أبو عاقلة صوتاً صادقاً يروي تفاصيل وتطورات القضية الفلسطينية من قلب الأراضي المحتلة، متحدية العوائق والاتهامات المستمرة من السلطات الإسرائيلية، ما جعلها هدفاً مرصوداً لقوات الاحتلال والمستوطنين المسلحين.

وقد برزت جهودها بشكل خاص خلال تغطيتها لانتفاضة الأقصى في عام 2000، والاجتياحات الإسرائيلية في مخيمي جنين وطولكرم عام 2002، فضلاً عن سلسلة الغارات والعمليات العسكرية التي شنت على قطاع غزة. وكانت أبو عاقلة أول صحفية عربية تدخل سجن عسقلان في 2005، حيث التقت بأسرى فلسطينيين خضعوا لأحكام قاسية من محاكم الاحتلال.

من بين محطاتها المؤثرة، تذكر أبو عاقلة زيارتها للسجن، التي أتاحت لها الفرصة لإلقاء الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين، بعضهم قضى أكثر من عشرين عاماً خلف القضبان، وهي تجارب كشفت عن عمق إنساني لطالما كان بعيداً عن الجمهور العربي.

وفي الذكرى السنوية الثانية لرحيل شيرين أبو عاقلة، التي سقطت برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جنين بالضفة الغربية، يطل علينا الباحث والإعلامي الفلسطيني محمود الفطافطة بإصدار جديد يحمل بين دفتيه العنوان الجاذب "شيرين أبو عاقلة: قصصٌ وأسرار". يكشف هذا الكتاب عن جوانب مجهولة ويسرد قصصاً لم تُروَ من قبل، مانحاً القارئ فرصة نادرة لاستكشاف أعماق شخصية شيرين ومسيرتها الإعلامية البطولية.

يرسم الكتاب عن معلومات تنشر لأول مرة عن شيرين وجوانب كانت بعيدة عن الكاميرا، بينها أنها كانت تنفق على أيتام وطلبة مدارس بشكل دائم ومنتظم، وأنها كانت تقدم وجبات في رمضان لرواد المسجد الأقصى، وتبكي بخفاء عندما تنهي تغطية جريمة ضد الشعب الفلسطيني.

دون سلاح أو انتماء أيديولوجي، خطت شيرين أبو عاقلة بتقاريرها ملحمة نضالية بأحرف من نور. من قلب الأحداث المتفجرة، نقلت شيرين صورة الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته وتحدياته، لا كمراقبة بعيدة، بل كشاهدة عانت وعايشت كل أبعاد تلك اللحظات الإنسانية والوطنية.

لم يكفِ الاحتلال قبل أو بعد استشهاد شيرين أبوعاقلة، فظل يستهدف الصحفيين والإعلاميين الذين يسعون لكشف الحقيقة للعالم. فمنذ بدء الحرب على غزة، استهدف القصف الإسرائيلي أصواتاً أخرى من جوقة الحقيقة، حيث استشهد أكثر من 100 صحفي خلال تلك الفترة، لينضموا إلى العشرات من زملائهم. لقد تجاوز عدد الصحفيين القتلى جراء الهجمات الإسرائيلية على غزة في أول شهرين من بداية الحرب، الحصيلة التي سُجلت خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم أنها الحرب التي وُصفت بأنها الأكثر دموية في التاريخ الحديث. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحفيين فقط، بل وعائلاتهم أيضاً داخل القطاع، حيث نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن محرر الشؤون الفلسطينية لديها، تسفي يحزقيلي تأكيده أن عائلة وائل الدحدوح كانت هدفاً لقصف الجيش، مؤكداً أنهم يعرفون ما يضربون بالضبط.

فمن خلال استهداف أفراد أسرهم، مثل الزوجات والأطفال، تحاول لطمس الحقيقة عن طريق إغراق الصحفيين في أحزانهم الشخصية والعائلية، ما يشتت انتباههم عن دورهم المهني والإنساني في تسليط الضوء على الظلم ونقل الحقيقة للعالم. وعلى الرغم من أن الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين يُعتبر جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني. 

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود عن تقديم طلب لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين خلال العنف الإسرائيلي في فلسطين، لكن دون أي فعل إلى اليوم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد إبراهيم
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد