رواية “لمن تقرع الأجراس”.. كيف يجعلنا الأدب أكثر تضامناً وإنسانية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/12 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/12 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية -shutterstock

إن عمل إرنست همنغواي المبدع "لمن تقرع الأجراس" ليس مجرد رواية عن الحرب الأهلية الإسبانية؛ إنه استكشاف عميق للحالة الإنسانية وسط فوضى الصراع. من خلال صفحاته، يتعمق همنغواي في موضوعات الحب والخسارة والحقائق الوحشية للحرب، ويرسم صورة حية لمأساتها ومرارتها.

تدور رواية "لمن تقرع الأجراس" حول روبرت جوردان، وهو متطوع أمريكي ملحق بوحدة حرب العصابات الجمهورية خلال الحرب الأهلية الإسبانية. من خلال عيون جوردان بطل الرواية، يعرض همنغواي القارئ إلى الحقائق القاسية للحرب، والصداقة الحميمة بين الجنود، والحماسة الأيديولوجية التي تدفع الأفراد إلى القتال. إن أوصافه التفصيلية وعمقه العاطفي لا تصور المشهد المادي للحرب فحسب، بل تصور أيضاً الخبايا الإنسانية والنفسية التي تنبع داخل البشر أثناء أصعب لحظات الحياة.

إذ تسلط الرواية الضوء على الخسائر العشوائية في الأرواح وتأثير هذه الخسائر على من بقوا. يعد هذا التفكير في المأساة ركيزة أساسية للسرد، حيث يؤكد على الألم والتغيرات التي لا رجعة فيها التي تسببها الحرب للأفراد. ولا يخجل همنغواي من إظهار المرارة التي تتأجج في قلوب المقاتلين. غالباً ما تتصارع الشخصيات مع الآثار الأخلاقية لأفعالهم والآثار اللاإنسانية للحرب المستمرة.

يبرز إرنست همنغواي مهارته الفريدة في تصوير المشاعر العميقة والتجارب الإنسانية المعقدة من خلال روايته "لمن تقرع الأجراس"، التي تُعد تمجيداً لقوة الأدب في تعزيز التعاطف الإنساني. ينقل همنغواي القراء إلى عمق الحياة اليومية للمتأثرين بالحرب، مؤكدًا على دور الأدب في تجسير الفجوات بين الأزمان والأمكنة، وربط القراء بالصراعات التي قد تبدو لهم غامضة أو بعيدة.

على سبيل المثال، خلال إحدى اللحظات المحورية في الرواية، يشارك همنغواي تأملات روبرت جوردان حول الحياة والحرب، حيث يقول: "العالم مكان جميل ويستحق الكفاح من أجله". هذه الكلمات تسلط الضوء على النزاع الداخلي الذي يعيشه جوردان، ممزوجًا بالأمل واليأس في آن واحد، وتوفر للقراء فرصة للشعور بالتعقيدات العاطفية لشخصية تكافح في ظل الحرب.

الرحلة العاطفية التي يخوضها روبرت جوردان ورفاقه تمكن القراء من التعايش مع صراعاتهم وأفراحهم وأحزانهم، وهو ما يعمق تأثير مصائرهم النهائية على المشاعر. من خلال الغوص في هذه التجارب، يمكن للأدب أن يعزز من تقديرنا للحياة الإنسانية، ويؤكد على القوة العاطفية للقصص في فهمنا للعالم.

فالرواية، قادرة على أن تخبرنا عن أشياء لا تتسع لها عناوين الأخبار التي تمتلئ بأعداد الشهداء والجرحى، مثل التضحية والحب والبحث عن المعنى في أوقات الحرب، ذلك الطقس البشع الذي يعتاد عليه عالمنا رغم بشاعته. وها نحن اليوم نرى بشاعة الحرب على حقيقتها في غزة بعدما قرر الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر اليومية بحق الفلسطينيين بمساندة بعض الحكومات الغربية التي تدعي التحضر. قد يبدو الوضع في غزة في كثير من الأحيان بعيدًا أو مجردًا بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إليه فقط من خلال التقارير الإخبارية. ومع ذلك، من خلال قراءة الأدب، يمكننا الشعور ولو قليلاً بالشعب الفلسطيني الصامد في غزة مع مقاوميه الشجعان، إذ ربما نفهم أو نشعر بجزء بسيط من شعورهم ورؤيتهم لمعنى الحياة ممن هولاء الذي يقفون على حافة الموت من أجل الوطن.

يوفر الأدب، كما يُظهره إرنست همنغواي ببراعة، فرصة ثمينة للقراء لاستكشاف ما وراء الأرقام والإحصائيات والخطابات السياسية التي غالباً ما تسود التقارير الإخبارية. يسمح لنا بالغوص في الجوانب الإنسانية المعقدة والحقائق اليومية للأشخاص الذين يعيشون في ظل الحروب، مقدماً نظرة أكثر عمقاً وتفاصيل عن تأثيرات الحروب المستمرة على الحياة اليومية. إذ يتحول الأدب إلى أداة للتأمل والاكتشاف، حيث يمكن للقارئ أن يشعر بأخيه البعيد على نحو أكثر حميمية. فالأدب يعزز من قدرتنا على التعاطف والتقدير للظروف الصعبة التي يواجهها الآخرون، ويعلمنا أننا لن نعيش بمفردنا في العالم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مظفر حبيبوليف
كاتب وطالب دكتوراة في الأدب من أوزبكستان
تحميل المزيد