أعرب الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف عن قلق بلاده الكبير من تصعيد لهجة كل من باريس ولندن ضد موسكو، وقال إنّ الأمر يعتبر مؤشراً جديداً على انخراط فرنسا وبريطانيا بشكل مباشر في الحرب ضد الغريمة أوكرانيا، وأضاف المتحدّث ذاته أنّ تصريحات وزير الخارجيّة البريطاني ديفيد كاميرون تعتبر خطيرة للغاية، مؤكداً أن مثل هذه التصريحات قد تنجر عنها آثار سلبيّة.
وخلال زيارة لكييف قال كاميرون إن الحليفة أوكرانيا لها كل الحق في ضرب الأراضي الروسيّة، بينما دعا الرئيس الأوكراني وزير الخارجية البريطاني إلى سرعة تسليم الأسلحة في إطار حزمة مساعدات جديدة.
ولم يخفِ الرئيس الفرنسي رغبة في إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنه حدد شرطين، تمثّل الأول في ورود طلب بذلك، والثاني وجوبيّة اختراق الروس لخطوط الجبهة، واتساقاً مع ذلك حذرت ماريا زاخروفا المتحدث باسم مؤسسة وزارة الشؤون الخارجية الروسية، محور الغرب من أيّ أعمال عدائيّة في القرم، وجاء هذا التصريح بعد اشتداد التوتر بين الروس والغرب وتزايد التوقعات داخل الكرملين باحتمالية التدخل الغربي في القرم في محاولة للي ذراع موسكو في أوكرانيا. بينما صرح المسؤولان الروسيان السابق ذكرهما بأن الرئيس الروسي يجد له التفافاً كبيراً من الجبهة الداخلية في كل قراراته بشأن أوكرانيا.
يمكن قراءة التصريحات الغربيّة الكثيرة المساندة للحليفة أوكرانيا من دون مساعدات مادية ولوجستية في المستوى، إلى حجم التناقض في المواقف البينيّة وإلى كثرة النفقات التي تحتاجها مثل هذه الحروب وإلى الشعور المركزي الغربي، وكذالك إلى الهواجس المرتبطة برد فعل الروس خاصّة في منطقة كالينينغراد، وهي مقاطعة إدارية تابعة لروسيا لا تربطها أي حدود برية بها تقع وسط أوروبا، وهي تسبب قلقاً بالغاً للأوروبيين.
إذ تطل كالينينغراد على بحر البلطيق وتقع في قلب دول حلف الشمال الأطلسي (ناتو) بين ليتوانيا شمالاً وشرقاً وبولندا جنوباً. وتعد أحد الأقاليم الروسية البالغ عددها 46 إقليماً، وبسبب إطلالتها على بحر البلطيق أصبحت المدينة خياراً ممتازاً لإقامة قواعد عسكرية، واعتُبرت كالينينغراد مدينة عسكرية طوال تاريخها بداية من بروسيا وألمانيا وصولاً للاتحاد السوفييتي لروسيا، لذلك هي من المناطق المهمة لروسيا عسكرياً وجغرافياً وسياسياً، خاصة بعد تصاعد التوتر بين روسيا ودول حلف الناتو، فمنذ الأزمة الأوكرانية الروسية الأخيرة، أعلنت ليتوانيا عزمها عدم السماح للسكك الحديدية الروسية بنقل المواد والبضائع عبر أراضيها إلى المقاطعة.
بعد تصريحات كل من كاميرون وماكرون، بات البعض يتوقع تحولاً في الموقف الأمريكي تجاه العمليات العسكرية في أوكرانيا، إلا أن هذا التوقع يبدو مبالغاً فيه إلى حد كبير. رغم أهمية الدعم المالي الأمريكي الأخير، البالغ 61 مليار دولار، في تقديم دعم حيوي لأوكرانيا، إلا أن هذا الدعم بمفرده لن يكفي لحل التحديات الكبيرة التي تواجهها أوكرانيا ضد روسيا. فلإنهاء الصراع بطريقة تلبي مصالح أوكرانيا، سيكون هناك حاجة لجهود أوسع نطاقاً ربما ترهق الغرب المأزوم بالأساس، إذ لا يمكن الاعتماد فقط على توريد الأسلحة والمعدات.
إذا كانت الغاية من جانب الغرب هي تعزيز قدرة أوكرانيا على صدها للتقدم الروسي في المدى القريب ومنع النصر الروسي في الأمد الأبعد، فإن ذلك سيتطلب استراتيجية شاملة، تضمن التركيز على تدريب وتجهيز وتعزيز القوات الأوكرانية، بالإضافة إلى تحويلها إلى قوة مؤثرة قادرة على تحديد معايير السلام المستدام بشروط تلبي مصالحها. ولكن هذا يعني أيضاً أن الغرب يجب أن يعمل على إقناع الكرملين بأن استمرار الحرب سيكون له عواقب خطيرة متزايدة على المدى الطويل، مما قد يجبره على التفاوض بجدية على حل سلمي. مع ذلك، فإن تحقيق ذلك يبدو أمراً صعباً، فالغرب لا يقف اليوم على أرض ثابتة، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يواجهون تحديات في الشرق الأوسط والصين، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية العالمية المتزايدة.
من جهة أخرى، يتعين على القادة الروس أن يكونوا مدركين للمخاطر التي قد تنجم عن تصاعد النزاع في أوكرانيا، حيث ستتعرض الشرعية الأوروبية لمزيد من الضربات في حال تمكن الروس من تحقيق المزيد من التقدم الواسع، حينها ستدفع أوروبا بالتصعيد. ومع ذلك، تبدو هذه الفرضيّة صعبة في ظل ما هو موجود على السّاحة، وبالنظر إلى المعطيات الحاليّة، سواء الإقليميّة أو الدوليّة والتي ربما تتغيّر بوصلتها في أيّة لحظة لصالح طرف دون الآخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.