أعتقد أن الجميع يعرف أن الديمقراطية ذروة سنام المشاركة والحرية التي لطالما ادعى الغرب، وخصوصاً في أمريكا، أنه حاميها، وتعني في أحد أهم عناصرها حكم الأغلبية، إلا أن المحصلة وما نراه اليوم من تقييد لحرية التعبير في الجامعات الأمريكية، أمر مخزٍ وفاضح.
بغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات الديمقراطية كمنظور أو نظام سياسي، إلا أن الحرية في دول أمريكا وأوروبا أصبحت اليوم تحارب حقيقة لا مجازاً.
حظر الفيلسوف البريطاني "جون ستيوارت ميل" من الديمقراطية الشعبية التي تعلي من شأن الأغلبية على حساب الفرد، وهو ما يتضح الآن، ويتحقق في حدة تصرفات الأجهزة الحكومية الأمريكية مع المتضامنين مع الحق الفلسطيني في الجامعات وغيرها، لأنهم يقفون أمام إدارة دولتهم ومشروعها السلطوي الاستعماري في الشرق الأوسط.
لطالما قامت الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وحتى أوروبا، بدور هام في تشجيع حرية التعبير والديمقراطية والمشاركة السياسية؛ من خلال توفير بيئة تعليمية منفتحة وحرة، تسمح للطلاب والموظفين بالتعبير عن آرائهم والمشاركة في النقاشات السياسية والاجتماعية، كما تنادي به مبادئ الديمقراطية، وهو إلى حد ما كان موجوداً؛ لأن الأمر متعلق بمبادئ الديمقراطية، لكن اليوم ترى الدولة أن تلك المساحة من الحرية تشكل خطراً على سياستها وتوجهاتها، إذ أغلب الحكومات الغربية ترى أنه عندما يتعلق الأمر بفلسطين لا وجود للحرية وللديمقراطية، لكن المشكلة اليوم أن وسائل التواصل متعددة ونجحت في إظهار الحقيقة بطريقة لم يستطِع الإعلام الموجه سياسياً طمسها، فعرت سياسات الأنظمة ومخططاتها التي تمشي بالبشرية إلى الهلاك، وترمي بكل القيم والمبادئ التي تنادي بها من ديمقراطية وحرية تعبير وعدالة إنسانية إلى الحاوية.
شهدت العديد من الجامعات في الغرب خلال العقود الأخيرة حركات احتجاجية ومظاهرات تهدف إلى الدفاع عن القضايا الاجتماعية والسياسية، كالتنديد بالعنصرية، ودعم حقوق الأقليات، كما شهدت دعوات لبعض الإصلاحات في نظام التعليم والعدالة الاجتماعية وغيرها من القضايا، خصوصاً خلال ستينات القرن الماضي، عندما كانت، حيث شملت مواقف رافضة للحرب في فيتنام، ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتأييداً لحركة حقوق الإنسان والمساواة.
ومن الاحتجاجات الطلابية أيضاً تلك التي عصفت بفرنسا في عام 1968 وتلت بعدها احتجاجات عدة في بلدان أوروبية أخرى وإيطاليا والمجر؛ ولم يغِب الطلاب في بلادنا العربية والشرقية عن التحرك من أجل الحرية والعدالة، فللطلاب المصريين تاريخ حافل وخصوصاً خلال ثورة عام 1919، وكان لحراك الطلبة المصريين تأثير كبير في المشهد السياسي المصري. بينما في إيران كان للحركة الطلابية عام 1999 صوت عالٍ، بعد إغلاق صحيفة السلام الإصلاحية.
كانت لبعض تلك الاحتجاجات الطلابية، والتي اتخذت منحى عنيفاً في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة في عدة مجتمعات والمشهد السياسي، وأحدثت تحولات في نضال الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية.
لذلك لا يمكن الاستهانة بتأثيرات ما يحدث في الجامعات الأمريكية والأوربية اليوم، فلو كان الأمر بسيطاً لما قامت تلك الحكومات الغربية بأجهزتها الشرطية والأمنية باستخدام كل هذا القمع والبطش بحق النخبة من طلابها، فقط لأنهم يطالبون بوقف الإبادة ضد الأبرياء في غزة.
تعلم الحكومات الغربية واللوبيات الصهيونية أن تأثير طلاب وأكادميين سيكون له صدى، لذلك لا يتوانون عن فض الاعتصامات وطرد الأكاديميين وفصل الطلاب بل ملاحقة من لم يتم طرده بشماعة "معاداة السامية" لتدمير مستقبله المهني.
إن تلك الاحتجاجات الطلابية اليوم، تكشف للجميع كل المزاعم والشعارات المزيفة التي تخبت وراءها الحكومات والمؤسسات الغربية، فهي لا تكشف فقط عن نزعتها وسياستها الاستعمارية والعنصرية، بل تكشف أيضاً نفاقها الأخلاقي، إذ لا تؤمن بما تدعو له، لا في الخارج ولا في الداخل حتى، فهاهي الحكومات الغربية تقمع أصوات أفضل طلابها، وتصفهم بالمخربين، وتطرد أساتذة جامعتها الذين يقفون مع فلسطين لا لشيء، إلا لأنهم يقفون مع الحق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.