كيف يمكن للاحتجاجات الطلابية أن تؤثر على سيطرة اللوبي الصهيوني في أمريكا؟

تم النشر: 2024/05/04 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/04 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش

الحديث عن جامعة عريقة مثل هارفارد التي تأسست سنة 1936  قبل تأسيس الدولة الأمريكية بـ100 عام، والتي تخرج فيها 49 من الحائزين على جائزة نوبل، وثمانية رؤساء أمريكيين، و188 مليارديراً، ممن أسسوا كبرى الشركات في العالم مثل "بيل غيتس" و"مايكروسوفت" و"فيسبوك". ويبلغ وقفها 50 مليار دولار. وتصل تكلفة الدراسة بها إلى 75 ألف دولار.

هاته النخبة التي تنتفض في مظاهرات لم يسبق لها مثيل، إلا في الستينيات من القرن الماضي، وكانت  أحد أسباب انسحاب الجيش الأمريكي من فيتنام سنة 1973، ثم انتقلت إلى فرنسا تنديداً بهذه الحرب، وقوبلت بعنف شديد ما أدى إلى زيادة التمرد، وقام العمال بإضراب شمل أكثر من  10 ملايين عامل، كاد يجرُّ باريس إلى حرب أهلية، وفرَّ "شارل ديغول" إلى ألمانيا، وأحدثت تلك الثورة تغييراً عميقاً في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في أوروبا.

أعتقد أن انتفاضة النخبة الأمريكية اليوم، تأخذ اتجاهين: 

الأول: هو التنديد بحرب الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة ويعتبرون بلدهم شريكاً في الجريمة، وقاموا بكتابة 10 آلاف اسم لشهيد ليقرأها الطلبة في ساحات الجامعة.

والثاني: هو رفض تقديم المعونات للاحتلال الإسرائيلي من أجل قتل الأطفال والنساء، الذي تدفع بلدهم تكلفته الأخلاقية والمادية، وصار الكيان يشكل عبئاً استراتيجياً على بلدهم. 

لقد أصبحت النخبة بمن في ذلك المتدينون اليهود، يضيقون بالحركة الصهيونية، التي تدفع بلدهم اليوم إلى الانهيار.

وعلى غرار النخبة في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما ضاقت بالوجود اليهودي، حين سيطروا على مفاصل الحياة، وانتقلت أوروبا من معاني المحبة التي جاءت بها الكنيسة، إلى سلوك الكراهية، ومن معاني الحرية والمساواة التي جاء بها فلاسفتهم، إلى معاني الاستبداد والاستعلاء والعنصرية.

وانتقل اليهودي "التائه" من "الدياسبورا" أو الشتات والحياة المغلقة في "الجيتو"، حيث كانت توضع عليهم علامات خاصة، وعندما يصادف رجل الدين المسيحي يهودياً يبادره بالتعويذة والقيام بإشارة الصليب؛ لأنه يعتقد أنه يحمل أرواحاً شريرة، تماماً كما يتعوذ الجزائري من كلمة "يهودي"، حتى جاء عصر التنوير، وخرج اليهود إلى الحياة العامة باسم الحرية، وسرعان ما اندمج اليهودي التائه، وأصبح رب العمل وصاحب الشركة ومدير البنك، والذي يتحكم في الإدارة الأوروبية. وضاق بهم المجتمع، وأصبحت الثقافة السائدة في أوروبا هي الثقافة اليهودية وقالوا إن الحضارة الغربية قد تهودت. 

وأصبح الوجود اليهودي في أوروبا مشكلة كبيرة على مستقبل حضارتهم، وطرحت النخبة موضوع "المسألة اليهودية"، وكيف يمكن التخلص منها، وتعرضوا إلى الاضطهاد فيما يسمى "الهولوكست" وأصبحت أوروبا بيئة طاردة لليهود.

لكن زعماء الصهاينة، عندما سيطروا على العالم المسيحي هناك، جاء فكرة بناء وطن قومي لليهود في فلسطين، ليكون منصة للسيطرة على العالم الإسلامي، ثم سيادة العالم.

فانتقلوا إلى أحضان الحزبين الصاعدين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وشكلوا ما يسمى "اللوبي اليهودي ذا القضية الواحدة" وهي "إسرائيل"، حتى أصبحا حزبان صـ،هـ،يونـ،..يان بامتياز وتصهينت الحياة السياسية والثقافية في أمريكا. وأصبح هذا الكيان يمثل جزءاً مهماً في العقل الأمريكي، و"إسرائيل" هي القضية الوحيدة الخارجية التي لديها جذور داخلية.

حتى جاء طوفان الأقصى ، وكان زلزالاً ضرب في عمق الحضارة الغربية التي أصبحت اليوم مهددة بالانهيار، أمام مشهد السقوط الأخلاقي، وموت الضمير الإنساني، وانتحار لكل القيم الغربية.

إن هاته المظاهرات تمثل الصيحة الأخيرة لبقية الضمير الأمريكي، من النخبة التي أصبحت تشعر بأن إسرائيل أصبحت عبئاً استراتيجياً على الولايات المتحدة وأن الحركة الصهيونية ستقود أمريكا إلى الانهيار.

فهل ستطرح النخبة في الولايات المتحدة مشكلة المسألة الصهيونية" كما رفعت النخبة في أوربا "المشكلة اليهودية"، وتصبح بذلك بيئة طاردة للصهاينة كما كانت أوروبا بيئة طاردة لليهود، وفلسطين الذي جعل منها "طوفان الأقصى" بيئة طاردة للكيان الإسرائيلي.

ويكون "العشاء الخير" بالبقرات الحمراء التي جلبوها من تكساس، التي خصصت لهم حكومة نتنياهو ميزانية خاصة، كي يذبحوها كعلامة لقرب ظهور "المخلص" الذي يقودهم إلى سيادة العالم. 

لكن "طوفان الأقصى" قد غيَّر الوجهة إلى الجيتونات، في الأطراف بعيداً عن مركز الحياة، التي عاشوها طول حياتهم في ظل الدولة الإسلامية في أمان وبكامل حقوقهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالحميد بن سالم
عضو سابق في البرلمان الجزائري
تحميل المزيد