ثورة الربيع الأمريكي.. كيف عكست الاحتجاجات الطلابية التحولات الفكرية لدى الأجيال الغربية الجديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/03 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/03 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
طلاب بجامعة جورج واشنطن يتظاهرون لدعم فلسطين/الأناضول

في الأروقة النابضة بالحياة للجامعات الأمريكية المرموقة، تتكشف سردية قوية وجديدة، سردية تجسد جوهر نشاط الشباب وتأثيره العميق على المجتمع والدولة، وفرض رؤيته المحايدة والداعمة والراسمة والمحددة لمسار القضايا العادلة حول العالم وكيفية دعمها. مع تحول الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى بؤر لدعم القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف المجازر في قطاع غزة، تسلط الاحتجاجات الطلابية المستمرة الضوء على تحول كبير داخل المجالات الأكاديمية. هذه المظاهرات، لم تؤدِّ إلى تكثيف الاضطرابات في الحرم الجامعي فحسب، بل دفعت أيضاً هذه القضايا إلى دائرة الضوء الوطنية والعالمية، ما يشكل تحدياً لسياسات بعض الجامعات وبعض الدول التي تدعم الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

وسط الاضطرابات المتصاعدة في حرم الجامعات الأمريكية، يستمر الوضع في التفاقم، حيث أصبحت عمليات "الكر والفر" بين قوات الشرطة والطلاب المحتجين أكثر تواتراً وعنفاً. وقد وضعت هذه المواجهات المظاهرات الطلابية في صدارة المشهد السياسي الأمريكي، ما يشير إلى أزمة عميقة داخل بعض المؤسسات التعليمية المرموقة في أمريكا.

وقد شهدت التطورات الأخيرة اتخاذ جامعات مثل كولومبيا، وكاليفورنيا، وستانفورد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا موقفاً أكثر عدوانية. وقد بدأت هذه الإدارات بالإعلان علناً عن نيتها استخدام إجراءات أمنية وفرض إجراءات عقابية ضد الطلاب المحتجين لفض الاعتصامات ووقف المظاهرات. ومنذ بداية المظاهرات، دافعت هذه المؤسسات عن نهجها بمختلف المبررات الواهية، بدءاً من الحاجة إلى "ضمان سلامة الحرم الجامعي" إلى الحفاظ على "الحق في التعليم" للطلاب غير المشاركين في الاحتجاجات. كما أشاروا إلى مخاوف بشأن "انتهاك قواعد الاحتجاج". ومع ذلك، فإن هذه المبررات غالباً ما تتجاهل المخاوف الكبيرة بشأن تعريض حياة الطلاب وسلامتهم للخطر في حالة استخدام وسائل عنيفة لتفريق الاعتصامات السلمية.

وتصاعد التوتر أكثر مع تقارير إعلامية أمريكية أشارت إلى صدور توجيهات بفض مخيم الاعتصام المؤيد للفلسطينيين في حرم جامعة كاليفورنيا شرقي الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، أدت إجراءات الشرطة إلى اعتقال 32 شخصاً في جامعات تكساس ونيويورك، تزامناً مع توسع الحركة الطلابية لتشمل جامعات جديدة. وجاءت هذه الموجة من الاعتقالات والمواجهات في أعقاب فض اعتصام بالقوة في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، ما أدى إلى تأجيج التوترات.

ومع استمرار الحركة الطلابية في الانتشار في عشرات الجامعات، ترتفع الأصوات رفضاً للحرب على غزة وفي دعواتها للجامعات إلى تبني المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية لإسرائيل. ورداً على الاضطرابات المتزايدة، ورد أن شرطة لوس أنجلوس زادت من وجودها في حرم جامعة كاليفورنيا بعد صدور أمر فض الاعتصام. ووصل الوضع إلى نقطة حرجة عندما صرح رئيس جامعة كاليفورنيا علناً بأن "الهجوم على طلابنا وأعضاء هيئة التدريس غير مقبول على الإطلاق".

تكشف هذه الأزمة المستمرة على خلفية النشاط السياسي المتنامي والاعتصامات المدنية الطلابية عن حقيقة أن الديمقراطية وحرية التعبير الأمريكية (من المنظور الحكومي) تحتاج إلى إعادة تعريف مجددة، إذ يبدو أنها مجرد أكاذيب صنعتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وذلك لفرض الضغوط وسوء الاستغلال السياسي لهذه الأدوات ضد المجتمعات الأخرى التي لها سياقات ثقافية وتاريخية مختلفة. باختصار حاولت الولايات المتحدة عبر أدوات القوة الناعمة قمع أي قضايا شعبية عادلة حول العالم من قضايا فيتنام والاستقلال السياسي إلى قضايا العراق وأفغانستان واليمن، انتهاءً إلى المشاركة في الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.

وفي جامعة كاليفورنيا نفسها، وقعت حادثة مثيرة للذعر في ديكسون بلازا، حيث قام حوالي 100 شخص، تم تحديدهم في تقارير وسائل الإعلام الأمريكية على أنهم "مؤيدون لإسرائيل"، بشن هجوم عنيف على مجموعة من الطلاب المعتصمين في حرم الجامعة. تصاعدت هذه المواجهة بسرعة عندما استهدف هؤلاء المؤيدون لإسرائيل والمسلحون بالعصي والقضبان الحديدية ورذاذ الفلفل الطلاب المنخرطين في اعتصام سلمي.

لم يكن العدوان جسدياً فحسب، بل كان يهدف أيضاً إلى تفكيك بنية الاحتجاج ذاتها. وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد مروعة، حيث لجأ الطلاب المؤيدون لفلسطين إلى استخدام المظلات كدروع ضد المواد الكيميائية الضارة التي استخدمها مؤيدو إسرائيل. كما أظهرت اللقطات محاولات يائسة من قبل الطلاب لحماية العوارض الخشبية التي تدعم خيمهم، وهي جهود باءت بالفشل في نهاية المطاف، حيث تم هدم الخيام وسط مشاهد الفوضى والعنف ضد تجمع سلمي. 

وفي أعقاب هذا الاعتداء، اتخذت ماري أوساكو، نائبة رئيس الجامعة، إجراءات فورية من خلال استدعاء الشرطة للإبلاغ عن "أعمال العنف المروعة" ضد المتظاهرين. وأعرب مسؤولو الجامعة عن رعبهم واشمئزازهم من الوحشية التي تعرض لها الطلاب، وحثوا قوات الأمن على التدخل ووقف العنف. ومع ذلك، فإن ما حدث بعد ذلك أضاف طبقة من التعقيد والفزع إلى الحادث: حيث شوهدت قوات الشرطة تقف متفرجة و"تراقب" الوضع فقط بدلاً من الانخراط بنشاط لمنع الاعتداء. ويذكرنا هذا الموقف السلبي من جانب سلطات إنفاذ القانون الأمريكي بردود فعل الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الإسرائيلية التي تقف متفرجة دوماً على اعتداء المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين.

إن حوادث العنف المتكررة ضد الطلاب والتهديد المستمر لهم بفض اعتصاماتهم السلمية يثير تساؤلات جدية حول دور إدارات الجامعات وسلطات إنفاذ القانون المحلية في حماية حقوق الطلاب وسلامتهم في الحرم الجامعي. ومع حصول هذه الأحداث على اهتمام أوسع، فإنها لا تسلط الضوء على الحاجة إلى حماية أكثر قوة للمتظاهرين الطلاب فحسب، بل تدعو أيضاً إلى التشكيك في حياد وفعالية أولئك المكلفين بدعم السلام والأمن في البيئات التعليمية. 

لم يسلط العنف المتزايد الموجه ضد الطلاب المحتجين في الولايات المتحدة الضوء على ردود الفعل الأمنية القاسية التي يواجهونها فحسب، بل أشعل أيضاً موجة قوية من التضامن العالمي. تعود جذور هذه الزيادة في الدعم إلى الاعتراف بالمطالب المشروعة لهؤلاء الطلاب، الذين يدافعون عن قضايا اجتماعية وسياسية عادلة، وهذا بالضبط ما يفرضه العقل الأكاديمي عليهم إذ إن التزام الصمت تجاه المجازر التي تحدث في غزة يتعارض مع العقل الإنساني السليم ويتعارض مع القيم والأصول الأكاديمية. إن الحركة، التي اكتسبت زخماً في البداية في جامعة كولومبيا، تجاوزت الآن الحدود الدولية، ويتردد صداها بقوة بشكل خاص في المملكة المتحدة.

لقد بدأ طلاب الجامعات البريطانية، مستلهمين صمود وقضية نظرائهم الأمريكيين، في المشاركة بنشاط في الحركة المؤيدة لفلسطين. شهدت الجامعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بما في ذلك المؤسسات البارزة مثل نيوكاسل، وبريستول، ووارويك، وليدز، وشيفيلد، وشيفيلد هالام، ارتفاعاً كبيراً في النشاط والاحتجاج الطلابي. وهذا دليل على الترابط بين المجتمعات الطلابية في جميع أنحاء العالم والتزامهم المشترك بالدعوة والتغيير ودعم الحقوق الفلسطينية والدعوة لوقف الحرب على غزة وأهلها.

وفي إظهار للتضامن والدعم، تجمع الطلاب البريطانيون، إلى جانب بعض موظفي الجامعة، في مناطق مفتوحة في حرمهم الجامعي. إنهم لا يعبرون عن دعمهم من خلال الاحتجاجات والمظاهرات فحسب، بل يقومون أيضاً بنصب الخيام داخل حرم جامعتهم. وتعد هذه المعسكرات بمثابة تعبيرات رمزية وعملية على حد سواء عن وحدتهم مع الحركة الطلابية العالمية. فهي تخلق مساحات للمناقشة، والتخطيط، وحتى المأوى لأولئك المشاركين في المظاهرات الموسعة، ما يعكس التكتيكات التي نراها في الجامعات الأمريكية.

ويؤكد هذا الصدى الدولي للحركة الطلابية على وجود اتجاه أوسع لمشاركة الشباب العالمي في النشاط السياسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني. إنه يعكس تحول الأجيال نحو نهج أكثر ترابطاً وتعاطفاً مع القضايا العالمية، حيث يتجمع الطلاب عبر القارات معاً للتأثير على التغيير في القضايا التي يهتمون بها. إن مشاركة طلاب المملكة المتحدة والولايات المتحدة في المظاهرات والاعتصامات تجسد شبكة عالمية مزدهرة من الطلاب الذين يستفيدون من أصواتهم الجماعية لتحدي الظلم والدعوة إلى عالم يتوافق بشكل أوثق مع رؤيتهم للعدالة والمساواة. ومع نمو هذه الحركة، فإنها تستمر في لفت الانتباه إلى الدور القوي الذي يلعبه الشباب في تشكيل الخطاب السياسي والعمل في جميع أنحاء العالم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد