على مدى أكثر من 75 عاماً نجح الاحتلال الإسرائيلي في الإفلات من الجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين والعرب، ولكن الحرب الأخيرة في غزة قادته إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وعدد من قادة الاحتلال الإسرائيلي الغاصب وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باتوا يترقبون صدور قرارات توقيف بحقهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تعمل الولايات المتحدة على منع صدوره.
في الماضي وقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت هناك مكاسب ومنافع يجنيها من يدعمون الاحتلال، كالفوز في الانتخابات الأمريكية، والبقاء على كراسي الحكم حتى في العديد من الدول العربية والإسلامية، وتحقيق مكاسب اقتصادية من التعاون التجاري مع الاحتلال ومع الولايات المتحدة، ولكن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تحولت هذه المكاسب والمنافع إلى أعباء وخسائر سياسة واقتصادية، بل واجتماعية، فمن يدعمون الاحتلال يعرضون مناصبهم ومستقبلهم السياسي للخطر، بل حتى رئيس الإمبراطورية الأمريكية جو بايدن بات مهدداً بأن يخسر في الانتخابات القادمة نتيجة موقفه الداعم للإبادة الجماعية في غزة.
أما على الصعيد الاقتصادي فقد تكبدت الشركات الداعمة للاحتلال خسائر فادحة نتيجة حملات المقاطعة، فعلى سبيل المثال شركة كنتاكي أغلقت أكثر من 100 فرع لها في ماليزيا، بينما تكبّدت شركة "ستاربكس" خسائر قدرت بـ11 مليار دولار.
أما على الصعيد الاجتماعي، فباتت القضية الفلسطينية صاحبة الصوت الأعلى، حيث صارت تعج شوارع المدن الأوروبية بالمظاهرات شبه الأسبوعية التي تخرج في العديد من دول العالم حاملة العلم والكوفية الفلسطينيين، وهذه المظاهرات في أقل تقدير تحمل الكثير من الرسائل السياسية للاحتلال وسردياته وداعميها.
فضح المنظومة الغربية
بجانب ذلك، فضحت الحرب في غزة وتداعياتها على الصعيد الإنساني، المنظومة الغربية برمتها، وكشفت للعالم أجمع ادعاءات حقوق الإنسان التي يروج لها الغرب ويزعم كذباً وزوراً أنه يدافع عنها.
فجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكب في غزة لم تحظ بإدانة غربية حقيقية، بل على العكس، يداوم كل القادة الغربيين منذ بدء المجازر الإسرائيلية في غزة على التأكيد على ضمان أمن الاحتلال، والمطالبة الفورية بعودة الأسرى، بينما يستمرون في غض الطرف عن أكثر من 30 ألف شهيد، و100 ألف مصاب، والدمار الشامل للقطاع، واستهداف البشر والحجر في غزة.
وبات الكثير من المفاهيم الغربية يتوارى خجلاً، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير التي ضاق بها القادة الغربيون ذرعاً، وسمحوا لقوات الأمن باعتقال الطلاب وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات الغربية، لأنهم عبروا عن تضامنهم مع غزة!
التضامن العالمي
عرّت غزة العالم، فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الماضي كانت هناك تحضيرات لإنهاء القضية الفلسطينية، ولكن طوفان الأقصى أحيا قضية فلسطين والنضال من أجل العدالة من جديد، إذ نجحت القضية الفلسطينية في كسب تضامن الملايين حول العالم، والدليل على ذلك المظاهرات التي تعم دول العالم، والاحتجاجات الطلابية في عدد كبير من الجامعات حتى التي تقف دولها مع الاحتلال.
استطاع طوفان الأقصى تعزيز السردية الفلسطينية والحق الفلسطيني، وتعرية الاحتلال وداعميه من القادة الغربيين، فأصبحنا نرى عدداً من النشطاء وحتى بعض السياسيين في الغرب وهم يهاجمون المسؤولين ويتهمونهم بالمشاركة في ارتكاب جرائم إبادة، وتعرض جو بايدن الرئيس الأمريكي للمقاطعة في مهرجان انتخابي في إحدى الولايات.
صناعة قدوات حقيقية
منذ فترة كان غياب المعنى والتفاهه يحيطان بحياة الناس، وبدأ الجيل الجديد يعاني من عدم وجود قدوات ونماذج حقيقية، إذ إن الفلسفة الاستهلاكية بدأت تسيطر على مناحٍ كثيرة، وباتت تسيطر على الساحة قدوات زائفة تحتل منصات التواصل الاجتماعي وتسهم في تغييب الوعي ونشر التفاهة والسطحية، ولكن الحرب في غزة والتي تلت عملية طوفان الأقصى، قدمت قدوات للجيل الجديد، رموزاً ورجالاً بحق تفوق بطولاتهم ونبلهم أبطال الروايات وأفلام الفانتازيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.