بلادنا أصبحت مجرد أوطان مليئة بالآلام والدموع والأوجاع وشعوب شُردَت بعد أن دُمرت ديارُهم وفقدوا عوائلهم وهاموا في الوديان والبقاع.
وحكام عرب لا يعنيهم سوى عروشِهِم وتعزيز مُلكِهَم، حتى وإن سالت الدماء بركاً وأنهاراً، وقُتِلَ الأبناء والنساء والآباء، ودمرت الأوطان والبلاد، وعم الخراب واللطم والنواح، وسُلِبت الحقوق واحتلت البلاد ونُهبت الثروات وذُلت الشعوب ودُمِرت المآذن والحصون والقلاع.
حكام عرب وأنظمة عربية قمة طموحاتِهِم السلطة المطلقة في البلاد، والسيادية في التعامل مع العباد، وكأن شعوبِهم عبيد لا قيمة لهم ولا كرامة كبشر في أوطانِهم ولا خارج البلاد.
فلا حقوق لهم في أوطانهم وثروات بلادهم، ولا وجود لأبسط حقوقهم في العيش الكريم وفي أمن وأمان كباقي البشر والعباد.
حتى حق الشعوب العربية في التظاهر والتعبير عن الرأي لدرء المظالم، وإظهار الدعم المطلق للفلسطينيين ونصرتهم في قضيتهم العادلة، ورفض ما يتعرضون له من قتل وتنكيل وحصار وتجويع ومن إبادة وتهجير، تم منعه بالقبضة الأمنية وبالترويع.
بالترويع مصنفين أحرار بلادهم وشرفاءها بالإرهابيين، تصنيف يصب في مصلحة أعداء هذه الأمة والطامعين في ثرواتها.
شعرنا بالخزي والعار عندما تابعنا أحرار العالم خرجوا في كل مكان لرفض الإبادة الجماعية في غزة، حتى الطلبة في الجامعات في العالم، خصوصاً في أمريكا والتي حكومتها هي أكبر الداعمين للكيان الإسرائيلي المحتل، خرجت فيها مظاهرات ترفض ذلك، وتطالب بوقف الحرب والمجازر هناك، ما عدا العالم العربي صاحب المشكلة والمتضرر الأكبر من هذه الحرب، والذين وقفوا موقف المتفرج، ليس تجاهلاً من قبل الشعوب العربية، بل خوفاً من مقصلة القمع التي بيد الأنظمة العربية.
ثم وبعد ذلك كله نعيش قمة الذل والهوان بعد أن جعلوا منا شعوباً متسولة تستجدي عطف العالم، ليتصدقوا علينا.
فأي عارٍ هذا الذي يلاحقنا، فبالرغم من أن بلادنا تعج بالثروات وتمتلك عوامل ومصادر عديدة للدخل القومي، إلا أنهم جعلوا منها بلاداً فقيرة ضعيفة، حتى أصبحت محل أطماع الجميع.
عملوا على تدمير دول الممانعة مثل العراق وسوريا واليمن، ثم مصر والربيع العربي من أجل فتح أبواب الشرق الأوسط على مصراعيه لهم ليفرضوا إرادتهم عليه بالكامل وتحديد مصيره واختيار حكامه الذين يساعدونهم في تنفيذ أجندتهم ومشاريعهم في المنطقة. حتى فتحت أبواب الفساد وتم تجريف المال العام ونهب ثروات البلاد، وأغرقوا الكثير من دول الشرق الأوسط في الفقر والإغراق في الديون كمصر، ليتحمل شعوب المنطقة التبعات القاسية للانهيار الاقتصادي في بلادهم.
ثم فتح باب التصدق على الشعوب لمنع الهجرة الاقتصادية لمواطني المنطقة، وخصوصاً الشعب المصري، على هيئة مساعدات، وكان أكثرها قسوة وإيلاماً المساعدات الغذائية كما فعلت الإمارات، وكما قامت بتوزيع بطاطين تم الترويج لها إعلامياً وبأسلوب سخيف ومهين للشعب المصري، بعد أن سيطروا على ثروات البلاد واغتصبوا حقوق العباد، ولم يتركوا للناس شيئاً غير الفقر والبؤس والتسول والهجرة، بعد أن كانت مصر في الماضي من أغنى دول المنطقة، وذلك قبل أن تتحول إلى دولة عسكرية أمنية منذ 1952.
مأساة وكوابيس وآلام وأحزان وأطفال يتامى وتشرد وبؤسُ وإزلالٌ واضطهادٌ وقمعٌ وظلمٌ وغدرٌ بعد غياب الرحمة من القلوب وفقدان الشعور بالغيرة على الكرامة والشرف والعرض والنخوة والرجولة والشهامة.
بعد أن أصبح الاستسلام من صفاتِهم والتبعية من سماتِهم للخارج، والانفصام عن شعوبِهم والانفصال عن مجتمعاتِهم وجحودِهِم لشعوبِهم.. أضحى من طباعِهم
كل ذلك حدث بعد أن أصبحوا معاول تستخدم لتدمير ثقافة بلادِهم وأدوات إعلامية موجهة لزعزعة الثوابت الدينية والقومية والوطنية في صدور شعوبِهم.
إنها مأساة تمر بها المنطقة، وأحلك حقبة في تاريخ العرب موشحة بالسواد، ومدن وقرى يحفها القتل والدمار، ودخان يعبق الأنوف محمل برائحة الحروب والقنابل والبارود، وأصوات زئير الطائرات وصفير الصواريخ يخرق الآذان، ممزوج بصراخ الضحايا وبكاء الأطفال وأنين الجرحى وبكاء الثكالى، وأرض وسهول ووديان تكسوها أشلاء الجثث وأنقاض المنازل، ورمال ورماد ووجوه أغرقت في بحور من الدماء والدموع والبكاء.
فيهرب من تبقى في قوارب عبر البحار، ليلتهم البحر منهم جزءاً، ليلقوا مصير الموت غرقاً، وينجو البعض الآخر، ليصلوا إلى أوروبا ليعيشوا غرباء يعانون من مرارة الغربة وقساوة نظرات ومعاملات المتطرفين والعنصريين المُؤلمة ضدهم.
أهم شيء أن تسيطر الأنظمة على الحكم، وأن تضمن السلطة الأبدية، وأن تستحوذ لنفسها على المال العام وعلى ثروات البلاد، حتى وإن جلسوا على جثامين شعوبهم تلالاً، وغاصت أقدامهم في الدماء بحوراً وأنهاراً، ووقفوا فوق أنقاض قراهم وبلادهم جبالاً.
فإلى متى يا عرب يستمر هذا الذل والهوان؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.