فارق الحجم والقدرات العسكرية بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي كبير عسكرياً واقتصادياً، ولهذا ربما يعتقد البعض أن سيناريو انتصار المقاومة غير واقعي، لكنه في الواقع لا يظل غير مستبعد على أية حال، بل الأكثر واقعية من وجهة نظري، من غير المحتمل أن تحدث انتصارات حقيقية لإحدى الجهتين بشكل فجائي.
صعوبة ذلك تكمن في شيئين، الأول أن إسرائيل تحارب بلا وجهة وأهداف واقعية، فهدف القضاء على حماس، وكما يعلم الجميع، أو كما قال قائل منهم، رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي "رونين"، فكرة تتجاوز أي تنظيم عسكري، فقد تولد في مكان آخر في فلسطين لو تمت إبادة رجالات الحركة في غزة، ومن هنا يأتي الأمر الثاني، وهو قوة حماس التي تمتلك الدافعية والكاريزما والتأصيل التي تجعلها قوية، بل تمتلك الرأي ومنصة الحوار والمناقشة، فهي عبارة عن قيم وهدف وسلاح في آن واحد.
يدور أغلب التحليلات والتوقعات عن شكل غزة بعد الحرب، ونرى الجميع يحلل وكأن إسرائيل ستنتصر، فيبدأ الجميع يتكلم عمن سيدير القطاع وشكل القطاع وإدارته سياسياً وتأثير ذلك عن القضية الفلسطينية، إلى آخر هذه تصورات، لكن ماذا لو انتصرت المقاومة؟! ما تبعات ذلك الانتصار على المنطقة؟ دعونا نطلق خيالنا السياسي، ونتحرر ولو في عقولنا فقط، لعلنا في يوم نتجاوز حدوده، وأؤمن أن هذه أول خطوة فعلية؛ لنمتلك واقعاً مكتملاً ينحاز لنا.
على أية حال، لنعد ولنفكر لو انتصرت المقاومة انتصاراً صريحاً بمعنى انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي قبل عام 67 وقبولها بشروط المقاومة واعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة، والتوافق مع كل ما يتعلق بهذه الخطوات، إذا حدث هذا الأمر فنقول إن المقاومة انتصرت في حربها الحالية، ومع هذا الانتصار ستكون هناك تغييرات حاسمة على مستوى المنطقة والعالم أجمع، من أبرزها مسائل الحدود، وتبدّل مكانة فلسطين كدولة ذات سيادة في المنطقة، كذلك فإن هذا الانتصار قد يؤدي إلى تغيرات أساسية في هذا الصراع، كالتعويضات عن الاحتلال، والمجازر وغيرهما، وقد يؤثر على العلاقات بدول العالم من الجانبين، وتبني بعض الدول مواقف مختلفة عن المواقف السابقة تكون لصالح القضية الفلسطينية.
سيهدد انتصار المقاومة وجود الاحتلال، أما عن المنطقة فسيحدث زلزال يغير تحالفاتها وسياساتها، وربما يكون سيكون بداية نزع أغلب الدول من يد الهيمنة الامريكية والاستعمارية، إذ ستشعر الشعوب العربية وغيرها بنشوة هذا الانتصار؛ مما يساعد في تبني بعض الأفكار التي تفضي بغية التغيير، وكردة فعل على سكوت الأنظمة على ما يحدث في فلسطين منذ 1948 وقبلها، ربما يؤدي لتغيير جذري وكبير على جميع دول المنطقة وتحالفاتها.
سيكون تأثير انتصار المقاومة على الاحتلال بشكل حاسم، ذا تأثير مدوّ على جميع المستويات السياسية والاجتماعية في جميع دول العالم، ولذا يخشى جميع المنتفعين من النظام العالمي القائم من انتصار المقاومة الفلسطينية، لذلك لا غرابة في سعي أغلب الأنظمة لإيقاف هذا الطوفان وعدم تمكينه من النصر بأي حال من الأحوال، ودفع الأموال الباهظة لتحقيق هذا الأمر.
لو انتصرت المقاومة، فستكون رمز ومحرك التحرير لحركات التحرر في أفريقيا وهذا ما سيؤثر على شكل الاقتصاد العالمي الحالي بشكل عامل، وهذا الأمر ليس بشديد التفاؤل، فها هي دول غرب القارة الأفريقية تطرد المستعمر الفرنسي، ولا أقول إنها ستنهي الاستعمار بشكل تام، لكن سيكون قطعت شوطاً كبيراً في إنهاء الاستعمار من العالم.
أما بالعودة لمنطقتنا، فستتغير معظم التحالفات، سواء في تصاعد أو انخفاض، سيكون هناك تغير عميق، ربما يؤدي إلى رسم استراتيجيات للأمن مختلفة عن الاستراتيجيات السابقة من قِبَل الدول التي سيطالها التغيير.
لكن ماذا عن تأثير انتصار فلسطين نفسها؟! مع عدم نسيان أن هناك سلطة فلسطينية لا ترغب ولا تحبذ هذا الانتصار.
مع ما نشاهده من نضج إعلامي وسياسي، ناهيك عن العسكري الذي تخوضه حماس، ربما تشير إلى أن حماس ستسعى لاستيعاب كافة الأطياف والقوى في الداخل والخارج، ورجوع أصحاب رؤوس الأموال في الخارج لتعزيز استقرار الاقتصاد، والاستقرار الاجتماعي أيضاً بتأمين عودة اللاجئين في بعض الدول إلى الحظيرة الفلسطينية؛ ليمثلوا الإضافة الحقيقية للمجتمع المحلي، وبناء دستور وطني يستوعب كافة المتغيرات في المجتمع، إذ سيكون الانتصار كحدث وذكرى خالدة رمز مركز قادر احتواء الجميع، وتحويل التوترات التي قد تحدث إلى مراجعة الأطر التي يبنى عليها الدستور، وعندها ستضع المناهج التعليمية بالروح الوطنية المقاومة المنتصرة، مما سينعكس على ولادة وعي فلسطيني وعربي أكثر تماسكاً للتحرر الكامل من الاستعمار وتبعاته.
لن أخفي كيف لامستني السعادة بتصور هذا السيناريو، لكن أرجو أن أذكر شيئاً، أن هذا لا ينسيني نكران الانتصارات التي حققتها المقاومة في حربها ضد الاحتلال إلى اليوم، سواء داخل فلسطين أو في العالم، وهذا واضح لكل مبصر، وأرجو أن هذه الانتصارات تكون دافعاً لنا وللعالم للتحرر.
فاليوم، أصبح كل شيء واضحاً، ولم يعد النظام العالمي قادراً على تلوين أو إخفاء الاستعمار والصهيونية، ولن نحلل كثيراً، بل يكفينا أن نرى العنف والإرهاب الذي يتعرض له الطلبة والأساتذة داخل أفضل الجامعات في العالم، والتي تقع على اكثر أرض يدعي الغرب أنها الأكثر حرية على الكوكب وعلى مر التاريخ، ها هي تقمع وتعتقل وتحاكم وتطرد مدرسين وطلبة فقط لأنهم انحازوا للحرية والحق، وطالبوا بوقف المجازر في فلسطين، بل وصل الأمر إلى أن يملي رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على دولة تعد نفسها الأقوى في العالم، كيف يجب أن تخرس وتقمع أبناءها النخبة التي من المفروض أنهم من يعدون لقيادة الإمبراطورية الأمريكية بعد سنوات.
وصل الاحتلال الإسرائيلي لمستوى واضح من التطرف والهستيريا، فهو يدرك أن نظاماً عالمياً جديداً يتشكل، لن يكون له سطوة ولا حتى وجود فيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.