مرّةً أخرى استخدمت الولايات المتحدة الأمريكيّة حق النقض (الفيتو) في مواجهة مشروع القرار الذي تقدّمت به الجزائر والذي يوصي الجمعيّة العامّة التابعة للمنتظم الدولي بقبول العضويّة الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وقد أيّدت 12 دولة المشروع مقابل امتناع كل من بريطانيا وسويسرا، وكانت نتائج التصويت داخل القاعة تبدو متوقعة جداً، ذلك أنّ حليفة الاحتلال الإسرائيلي، الولايات المتحدة الأمريكية، لا تدخر جهداً في سبيل تحقيق إبقاء الوضع كما هوّ من ناحية وجوديّة ذاك المحتل من جهة، ومن جهة أخرى محاولة محو أي حضور فلسطيني بكبريات المحافل والتجمعات والمنظمات الدوليّة، وهي سياسة تقوم عليها المرتكزات الفكريّة والاستراتيجيّة الأمريكيّة منذ زمن، ولن تتغيّر بتغيّر الزعامات والقيادات، ذلك أنّ حماية الاحتلال تعتبر من أبلغ وأهم قناعات وتوجهات السياسة الخارجيّة الأمريكية في منطقة الشّرق الأوسط.
وحريٌّ بالذكر أنّ واشنطن، حامية الاحتلال الأولى تعترض مشاريع القرارات المتعلقة بفلسطين في كل مرّةٍ، داخل هذا المجلس الذي أنشأته، وتسيّره الآن كما تبتغي، بعيداً عن أي أخلاقيات للفعل السياسي، وضرباً لكل المواثيق والقوانين الدوليّة التي أضحت حبراً على ورقٍ، من خلال الممارسات التي تقوم بها إسرائيل في غزّة، من قصف وتشريد وتجويعٍ وتهجيرٍ لسكان القطاع، أمام مباركات أمريكيّة غربيّة، وأمام صمتٍ دوليّ من حيث الأفعال.
ما يجري اليوم من الاحتلال الإسرائيلي بدعم الولايات المتحدة دبلوماسياً وعسكرياً، لا يهدد فلسطين وحدها بل يهدد أمن النظام العالمي القائم بأكمله، فما تقوم به الولايات المتحدة بفجاجة لاستمرار دعم الممارسات الفاشية تضرب بعرض الحائط مرتكزات الشرعية الدولية التي يجتمع عليها العالم، وتفرض شرعية جديدة قائمة على العنف والقوة المفرطة.
مما يشكل تهديداً للنظام العالمي وشكل الحضارة التي نعرفها اليوم، إذ تؤثث إسرائيل وأمريكا شرعية سحق الاتفاقيات والقوانين الدولية، وإلقائها في أقرب صندوق قمامة. بذلك، يتم ضرب كل مرتكزات النظام الدولي الهش من الأساس.
الفيتو الأمريكي ضد فلسطين.. سلاح يدمر أسس النظام الدولي
وها نحن هذا اليوم نرى الفجاجة الإسرائيلية أمام العالم، فلا يكفيها قتل أكثر من 34 ألف إنسان أغلبهم من الأطفال والنساء، بل توبخ العالم على محاولاته اليائسة لوضع حد لوقف همجيتها، فبعد أن شكر سفير الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد إردان، الرئيس الأمريكي جو بايدن داخل اجتماع مجلس الأمن الأخير، على وقوفه بجانب المذبحة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشتى الطرق، وبخ باقي الدول الأعضاء التي صوتت لصالح العضوية الكاملة لفلسطين، بأنهم يرتكبون أخطاء جسيمة، وأن هذا المجلس يشبه التحدث إلى "جدار من الطوب".
إن إسرائيل، منذ نشأتها، تشكل عنصراً مثيراً للخطر والاضطراب في النظام الدولي، مسببة توترات في مسائل السلام والأمن العالميين. حيث تأسست على أراضٍ فلسطينية واستولت على أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية، في تحدٍّ واضح للأعراف والقوانين الدولية، حسب ما نصت عليه قوانين الأمم المتحدة.
إن غياب فاعلية النظام الدولي بهذا الشكل أمام وحشية الاحتلال الإسرائيلي وعجرفته يهدد العالم بأكمله وليس فلسطين وحدها، فمع استمرار الاحتلال الإسرائيلي بهذا الدعم سيؤدي إلى تفاقم مشاكل الأمن العالمي في المستقبل. ولذلك فإن تداعيات التراخي إزاء المجازر والإبادة الجماعية في غزة سترتد على جميع الدول وأمنها، مما سيؤدي إلى ضرب النظام العالمي ضربة قاصمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.