الدول التي عملت على إفشال إصدار قرار في مجلس الأمن الدولي بمنح الفلسطينيين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تظهر بوضوح تام أنها لا تحمل أي نية حقيقية لتبني حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية. هذا الموقف ليس جديداً، بل هو استمرار لعقود من الوعود الكاذبة حول السعي لسلام عادل يعطي للفلسطينيين حقوقهم.
التاريخ الطويل من الإعلانات المتكررة والتي تنادي بضرورة إقامة دولة فلسطينية يتناقض تماماً مع سياسات وأفعال الولايات المتحدة وحلفائها التي تدعم الاحتلال بلا حدود غير آبهة بأي قوانين دولية أو اتفاقات، حيث يستمر التوسع في الاستيطان، والقمع، وارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين بطول وعرض أرض فلسطين المحتلة بالكامل، فضلاً عن تهجيرهم وطردهم من منازلهم وأراضيهم. الوضع الراهن يشهد تدهوراً متسارعاً خصوصاً في غزة والضفة الغربية التي تتقلص يوماً بعد يوم تحت وطأة الاستيطان.
ولقد ذهبوا أبعد من ذلك الآن في السعي لطرد وإبادة الفلسطينيين مما تبقى لهم من أرض محصورة في شريط غزة وجزء من الضفة الغربية، والتي أصبحت تتآكل بتمدد المستوطنات عليها، بكل الطرق الوحشية واللانسانية.
الإمبراطورية والأنظمة العربية
بينما تستمر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في توجيه صفعات متكررة للأنظمة العربية، من خلال تقويض ونسف المعاهدات والاتفاقيات، والتسبب في معاناة الفلسطينيين بشكل دوري ومنهجي في جميع أنحاء فلسطين، ونقل سفاراتهم إلى القدس المحتلة. على الرغم من هذا، لا تزال الأنظمة العربية تربط رؤيتها الاستراتيجية بإسرائيل واستمرار وجودها، وتسارع إلى التطبيع مع الاحتلال الذي لا يقدم أي مزايا أو تنازلات، بينما تتجاهل مطالب شعوبها وحتى تقمعها باسم الأمن. هذا السلوك لا يعمل فقط على دفن فرصة قيام دولة فلسطينية، بل يهدد استقرار هذه الأنظمة نفسها.
من المهم أن تدرك الأنظمة العربية أن تجاهل مصالح شعوبها وقضاياهم الجوهرية يضعف وضعهم الاستراتيجي في المشهد الإقليمي، مما يحولهم إلى متفرجين بدلاً من أن يكونوا فاعلين رئيسيين في ملفات الشرق الأوسط وبعدهم الجغرافي، كما نشهد اليوم. حتى إيران وروسيا، عندما تتقاطع مصالحهما مع الغرب، ربما ستبدآن بتقسيم النفوذ والمصالح في المنطقة بينهما بدون إشراك العرب.
ورغم التحديات، تستمر الدول العربية في تحالفاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتستجديها بالتطبيع مع الاحتلال الذي هو أحد الأسباب الذي يعوق تقدمها، حيث تبدو أنظمة الدول كما لو كانت تفتقد للإرادة السياسية والعزيمة اللازمة لتحقيق التطور والاستقلالية. إذ تنقصها الرؤية والاستراتيجية الواضحة والنية المحددة لبناء كيانات قوية ومستقلة تكون قادرة على فرض احترامها وسيادتها في الساحة الدولية.
في المقابل، نجد أن هناك العديد من الدول حول العالم التي بدأت مسيرتها بموارد محدودة وتحديات كبيرة، لكنها، بفضل قياداتها الحكيمة التي لم تعادِ رغبة شعوبها، استثمرت بشكل صحيح في قدرات بلادها وكفاءات شعوبها، تمكنت من تحقيق قفزات تنموية هائلة. هذه الدول لم تكتفِ بمواردها الطبيعية فقط، بل عملت على تطوير رأس المال البشري والتكنولوجي، مما مكنها من احتلال مكانة مرموقة على الساحة العالمية وفرض إرادتها السياسية خارجياً.
أما الأنظمة العربية، فلا تزال تدور في فلك الضعف والتبعية، حيث تبدو غير قادرة على كسر الحلقات المفرغة من الاعتمادية والتأثر بالضغوط الخارجية. حتى في القضايا الوطنية والإقليمية التي تُعد أساسية وحيوية، تظل هذه الدول تحت وطأة التأثيرات الخارجية التي تشكل وتوجه قراراتها.
بينما نحن، الشعوب العربية، نظل ضحايا هذه الأنظمة والتدخلات الغربية، حيث نعيش في ظل قمع دائم، محرومين من الأمن والسلام.
ختاماً، قد يجادل البعض بأن الدخول في علاقات غير متكافئة مع الإمبراطورية الأمريكية قد يكون أكثر أماناً، ويجنبنا الكلفة الباهظة للتحدي من أجل الاستقلالية. حيث يرون في مسارات دول مثل كوريا وتايوان واليابان نماذج للتنمية والتقدم التي تحققت عن طريق التعاون مع النظام العالمي التي تهيمن عليه أمريكا وحلفاؤها بدلاً من معارضته. ومع ذلك، من الضروري أن ندرك بوضوح ما يعنيه الاستسلام لشروط أمريكا في منطقة الشرق الأوسط. هل نحن حقاً مستعدون لتحمل تبعات ذلك؟! فالخضوع للولايات المتحدة، يعني في الواقع التخلي عن قضية فلسطين وتحريرها، وخضوع اقتصاداتنا لتوجيهات المؤسسات الدولية. لذلك، ينبغي لنا أن نتأمل عميقاً في الأثمان التي قد نضطر لدفعها قبل اتخاذ خطوة قد ترهن مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.