تزايد الاعتقالات لمناهضي التطبيع العربي مع إسرائيل.. لماذا يُحاصَر الفعل التضامني مع فلسطين؟ 

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/20 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/20 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
مظاهرات في عمان رفضاً للإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة/ الأناضول

في المغرب كما في الأردن وفي مصر وغيرها من البلدان العربية موجة من الاعتقالات وأحكام ثقيلة على ناشطين من المناهضين للتطبيع الرسمي مع قوة غاشمة ارتكبت سلسلة من أبشع المجازر في التاريخ المعاصر والتي لم يسدل الستار عنها بعد، ولئن لم يفاجئ أحد من انتهاكات حقوق الإنسان باعتبار سوابق هذه الأنظمة التي لا تعد ولا تحصى في هذا المجال، فإن الصادم هو مستوى الجرأة على الاعتقالات في هذه الظرفية وحول قضية تشغل العالم برمته، حيث يفترض أن تخفف القبضة "الأمنية" الخشنة إن كان عند القوم عرق حياء ما زال ينبض.

فبعد أن عجزت السلطة عن الإجهاز على الحراك المغربي المساند للقضية الفلسطينية في مهده ظلت تتربص بالقائمين عليه، حيث تقوم بالتضييق عليهم متى وجدت لهذا سبيلاً لتهتدي لأسلوب الانتقام من نشطائه باستهداف بعضهم، حيث بدأت بمتابعة العديد من المتظاهرين أمام متجر كارفور في مدينة سلا لتنتقل إلى التصعيد من وتيرة الاستهداف باعتقالها للمدون عبد الرحمن زنكاض وحكمها القاسي عليه بالسجن لخمس سنوات، فيما تستعد لتفعيل نفس الإجراءات بحق الناشط مصطفى دكار المعتقل منذ أيام قليلة، وقد سبقهم لذات المصير المدون سعيد بوكيوض الذي حكم خمس سنوات (خففت لثلاث فيما بعد). يأتي هذا بسرعة قياسية في الوقت الذي ما زالت فيه ملفات الاختلالات المالية والإدارية وشبهات الفساد تراوح مكانها في ردهات المحاكم أو ظلت حبيسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات الرسمية.

أما في الأردن فقد جنّ جنون السلطة من مستوى الاحتجاجات الشعبية على التعاطي الرسمي مع العدوان الإسرائيلي بحق قطاع غزة والتي تصدت لها أجهزتها القمعية بعنف، وقد انتهت بحملة مسعورة من الاعتقالات يصعب حصر أصحابها من مختلف الاتجاهات مع حملات تشهير وتكفير سياسي واسع النطاق، وفي مصر حيث لا إرادة فوق إرادة الحاكم العسكري وبعد الزج سابقاً بالقوى المحركة للشارع المصري في غياهب السجون والمعتقلات لم تسلم الأصوات النادرة المنددة بالحصار على أهل غزة من مطاردة الأجهزة السلطوية لها، حيث تم اعتقال العشرات من النشطاء الذين تجرأوا على كسر جدار الصمت هناك. 

ما يجري في أوطاننا مهزلة حقيقية، ففي الوقت الذي تعج الشوارع العالمية فيه بعشرات الآلاف من المتظاهرين المنددين بجرائم الكيان تعتبر مناصرة فلسطين عندنا خطيئة كبرى قد تعرض أصحابها إلى الاستهداف، وبالنظر إلى خريطة الاحتجاجات تجد أن جلّها مقتصر على بلدين أو ثلاثة فيما أن حركة الشارع في البقية تكاد تكون منعدمة، والسبب هو طغيان المقاربة القمعية وحتى تلك التي تمكنت من تجاوز الخطوط المسموح بها رسميا ينكل بأنصارها حالياً. 

الأنظمة المطبعة متفاجئة من مزاج شعوبها الذي تمرد على دعايتها واستعاد قدراً من أصالته تجسد في التفاعل الواسع على منصات التواصل الاجتماعي مع أحداث غزة، الشيء الذي دفع لوبيات الحكم إلى أن تمتلئ غيظاً بعد أن أفسدت عملية طوفان الأقصى هندستها للمشهد السياسي والمجتمعي والتي أعادتها إلى نقطة الصفر، هي التي راهنت على أن تطبيعها مع عدو أمتها وإغراق شعوبها بالميوعة والتفاهة وأساليب غسيل الدماغ العصرية لها عبر استخدام الخوارزميات الإلكترونية ستنسيها قضية المستضعفين الأولى. 

الواقع أن النظام الرسمي العربي يدفع ثمن ارتهانه لغيره من القوى الغربية النافذة التي زادت اشتراطاتها عليه مع تقدم الزمن، فأقصى ما كان يطلب منه في الماضي هو تحسين علاقته مع الوافد الجديد على المنطقة وكسر طوق العزلة عليه، أما اليوم فقد بات ملزماً على التواصل مباشرة مع الطرف الصهيوني بعد أن انتقلت الوكالة عليهم إليه، وهو ما يفسر عجرفة بنيامين نتنياهو في مخاطبته للأنظمة المطبعة معه التي ربط مصيرها بمصير كيانه، معتبراً أن معركته ضد المقاومة هي معركتهم أيضاً ليصبح وضعها مماثلاً لوضع سلطة مقاطعة رام الله التي تقدم كشف حسابها له بصفة دورية حول تتبع كل من يعادي الكيان ولو بشطر كلمة، الشيء الذي جعل إعلام التطبيع يكثف حملاته ضد القضية الفلسطينية بالتزامن مع نيل أجهزة الدولة الخشنة من الأصوات الداخلية الحرة بعد الحرج الشديد الذي وضعتها فيه هي المطالبة بتسديد "جزية الحماية" التي يزعم الكيان توفيرها لها.

فلسطين أيضاً كابوس مؤرق للأنظمة العربية والإسلامية لأنها نموذج ملهم للشعوب التي تقمعها، فهي تعلي من نماذج البطولة الفلسطينية وتستمد منها الثبات والإقدام والشجاعة حتى أن مستوى جرأتها على حكامها ومسؤوليها يبلغ ذروته عندما تتفاعل مع قضيتها المركزية، بل إن سقفها حتى في شؤونها المحلية يرتفع مع اشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس عبثاً أن أي فعل نضالي عربي لا بد أن يتزين بالكوفية والأعلام الفلسطينية، وهذا ما كان يصيب النظام الرسمي العربي بالتشنج المزمن.

لا يأخذ ضحايا الاعتقال التعسفي الأخير حقهم في التغطية الإعلامية، فملفهم يفضح زيف الشعارات التي تروجها السلطات العربية حول وقوفها مع الحق الفلسطيني، حيث لم تكتفِ بالمشاركة الفعلية في إسناد المحتل عبر إجراء مناورات مشتركة مع جيشه أو بإغلاق معبر رفح أو باستثمار أجوائها لحماية الاحتلال الإسرائيلي من أي استهداف أو بتوفير ممر بري لمرور قوافله التجارية، فقد عملت على حصار أي فعل شعبي مندد بإجرام من تصالحه لتعلن بذلك عن اصطفافها الكامل مع المعسكر الإسرائيلي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنس السبطي
كاتب رأي مغربي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد