لعل ما حدث من رد فعل من الطرف الآخر بعد السابع من أكتوبر الماضي من حيث الزخم وطول المدة كان متوقعاً، على الأقل بالنسبة لي، كون أن قناعتي ورؤيتي وقراءتي المتواضعة آنذاك كانت تشير إلى أن ما حدث في السابع من أكتوبر سوف يتم توظيفه من قبل الطرف الآخر ليشكِّل ذريعة وغطاءً لاعتداءات مستمرة ضد أهلنا وأطفالنا ونسائنا الأبرياء في قطاع غزة الحبيب تحمل أبعاد ذات معانٍ استراتيجية منها العمل على تهجير أبناء وبنات الشعب الفلسطيني وإفراغ قطاع غزة من قاطنيه، وإعادة السيطرة على جزء عزيز واستراتيجي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدمير البنية التحتية، ما يشمل بشكل رئيسي المؤسسات التعليمية والصحية، والعمل على تجهيل الشعب الفلسطيني وإعادته مئة عام إلى الوراء، والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني الهادف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. إضافة إلى أهداف سياسية داخلية لدى الطرف الآخر منها تأجيل الانتخابات، وتصدير الخلافات السياسية والحزبية الداخلية، وصناعة الخوف.
وتشير الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط حالياً، خاصة بعد الضربة الإيرانية المعلن عنها ورد الفعل من قبل الطرف الآخر غير المعلن، إلى أن ضابط الإيقاع الأميركي لا يزال ممسكاً بالخيوط كافة. كما تشير تطورات تلك الأحداث إلى أن ما استدعى الرد الإيراني ليس تمادي الطرف الآخر في اعتداءاته المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الحبيب، وإنما الاستهداف المباشر للقنصلية الإيرانية في دمشق، ما يعني أن حسابات الجانب الإيراني تحكمها اعتبارات ذات علاقة بالمصلحة ربما أكثر من المبدأ. ناهيك عن أن حسابات الطرف الآخر في نطاق الرد كانت محسوبة بدقة، عكس كافة التحليلات الإعلامية والسياسية التي لم ترق لمستوى الحدث من حيث التحليل الموضوعي، ما يعني خشية الأطراف كافة، والقوى الدولية المؤثرة، من الانجرار نحو حرب إقليمية ربما لو حدثت لأكلت الأخضر واليابس.
ولعل قيام الجانب الإيراني بإبلاغ الجانب الأميركي، من خلال القناة الدبلوماسية السويسرية، بموعد الضربة وحجمها، حسبما رشح من وسائل الإعلام، يشير ربما إلى حسابات دقيقة ومحسوبة تفادياً لردة فعل قوية من الطرف الآخر من جهة، ومن القوى الإقليمية والدولية المؤثرة من جهة أخرى. كما يشير ذلك إلى تلك السياسة الواقعية التي تنتهجها إيران، على الرغم من حضورها الإقليمي النافذ، وتحالفاتها الدولية السياسية المؤثرة، وعلاقاتها الاقتصادية القوية، خاصة مع كل من روسيا والصين. ولعل ذلك يدعونا إلى المقارنة بين ما حدث في السابع من أكتوبر الذي فاجأنا جميعاً، ربما باستثناء الطرف الآخر القوي تكنولوجياً واستخبارياً، وضرورة حساب رد فعل الطرف الآخر من قبل صانع القرار السياسي المعني.
إن قراءة متأنية واستراتيجية للأحداث الجارية حالياً تشير إلى أن المنطقة أبعد ما تكون عن نشوب حرب إقليمية للأسباب الواردة أعلاه. كما تشير تلك القراءة للأسف إلى عدم وجود حل سياسي يلوح في الأفق يفضي إلى نهاية لتلك الاعتداءات السافرة ضد أهلنا في قطاع غزة الحبيب لأسباب منها قرب إجراء الانتخابات الأميركية ما يمنع الإدارة الأميركية من ممارسة أية ضغوط جدية على الطرف الآخر، وهو ما يعني استمرارها ربما حتى نهاية العام الجاري. وتشير تلك القراءة المذكورة إلى أن الأمل بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من قبل دولة فلسطين بفعل تأثير الأحداث الجارية حالياً لم يكن مستنداً إلى أسباب موضوعية أو واقعية، يثبت ذلك تصويت الولايات المتحدة مؤخراً ضد القرار الذي كان يرمي إلى الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي بمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين الذي تتمتع حالياً بصفة دولة غير عضو (مراقب) في الأمم المتحدة.
خلاصة القول: لا تشي تطورات الأحداث الجارية حالياً في منطقة الشرق الأوسط بحدوث أي تأثير جوهري أو استراتيجي على القضية الفلسطينية، على الأقل في المستقبل القريب، خاصة أن الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة تعي بشكل كبير الحاجة إلى عدم انزلاق الأمور نحو مواجهة إقليمية مفتوحة. ناهيك عن أن جولة التفاوض الحالية بين الجهة المسيطرة، أو التي كانت مسيطرة على قطاع غزة، وبين الطرف الآخر تتناول مسائل أولية، على أهميتها، مثل وقف الاعتداءات، والسماح بعودة المواطنين والمواطنات إلى شمال قطاع غزة، وإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، ولا تتناول القضايا السياسية الرئيسة كإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ما يشمل المسائل الخلافية ذات العلاقة بالقدس، واللاجئين، والحدود، وغيرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.