قبل الحرب في غزة، اعتقد العالم الغربي عموماً أنه ما هي إلا خطوات قليلة حتى يتم تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وبعدها ستندمج إسرائيل في العالم العربي واقتصاداته. هذه رؤية روَّج لها البيت الأبيض، وحتى نقاش واشنطن حول طوفان الأقصي كانت هناك رغبة في تجاهل حياة الذل التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وشرحت واشنطن أحداث السابع من أكتوبر على أنها عملية إيرانية الهدف منها تعطيل أي صفقة سياسية بين السعودية وإسرائيل.
لاحظ أنهم روَّجوا أنها عملية إيرانية، أي إن الفلسطينيين راضون بحالهم تحت الاحتلال لولا تحريض إيران. ومرت ستة أشهر على كل الطروحات الملتوية التي تتجنب الحديث عن المظالم الحقيقية لأهل فلسطين، لتتحدث عن إيران وعن دورها في تعطيل التطبيع.
حرب الإبادة في غزة كشفت واقعاً جديداً، وعلى واشنطن ودول الإقليم التعامل معه بجدية. الواقع اليوم مختلف، حتى لو تخيلنا أن إسرائيل قد نجحت في توقيع معاهدات سلام مع جميع الدول العربية بالجملة وفي صفقة واحدة، فهذا لا يعني الكثير في عالم ما بعد الإبادة في غزة. فاللاعبون الجدد في المنطقة مثل حماس وحزب الله، بقدراتهم العسكرية الهائلة وقواتهم المدربة جيداً والتي تم اختبار قدراتها في مواجهة إسرائيل، تمتلك تأثيراً كبيراً في الشرق الأوسط اليوم، وتمتلك سلطة الفيتو الحقيقية على أي سلام محتمل في الشرق الأوسط.
في السابق كانت الدول وأشباه الدول مثل إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقوى الإقليمية مثل مصر والأردن تقف في مركز التفاوض التقليدي للتوصل إلى سلام بين إسرائيل وجيرانها، ولكن الوضع مختلف الآن. فصعود نجم الحركات (حماس، حزب الله، وأنصار الله) على حساب الدول قد أضاف بعداً جديداً إلى ديناميات السلام في المنطقة.
فالناظر إلى المشهد الإقليمي اليوم لا تفوته ملاحظة أن المجموعة المتمردة في اليمن المعروفة باسم جماعة الحوثي أو أنصار الله استطاعت إيقاف التجارة في البحر الأحمر من باب المندب إلى قناة السويس، واليوم وبدلاً من العبور عبر قناة السويس، تسلك السفن التجارية الطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح بما يكلف العالم كله وقتاً وأموالاً نتيجة لتغيير مسار هذه السفن.
تاريخياً، تمحورت مفاوضات السلام في الشرق الأوسط بين دول مثل مصر والأردن وإسرائيل أو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول التركيز على الجهود الدبلوماسية التقليدية للوصول إلى اتفاقيات بين الحكومات. أما اليوم فقد تغيرت المعادلة، فظهور منظمات مثل حماس في الأراضي الفلسطينية وما تمتلكة من قدرات هائلة على الصمود والتصدي كما شهدنا خلال الشهور الستة الماضية قد غير معادلة توازن القوى في الإقليم.
وأثبتت حماس أنها قادرة، وأنها ليست أقل من حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006. فامتلاك هذه الجماعات لكل هذه القدرات ومستوى التدريب العالي لمقاتليها من خلال الاحتكاك المباشر مع إسرائيل يجعل الجميع يعمل لها ألف حساب في الحرب والسلام.
أحد العوامل الرئيسية التي تمنح حماس وحزب الله سلطة الفيتو على مبادرات السلام في الشرق الأوسط من خلال العمل العسكري. لقد أظهروا قدرتهم على شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، ما أدى إلى تصاعد في العنف وتقويض الجهود المبذولة لتحقيق سلام دائم. يمتد تأثيرهم إلى خارج أراضيهم المباشرة، حيث يتمتعون بدعم من جهات إقليمية مثل إيران، التي توفر لهم المساعدات المالية والأسلحة والدعم السياسي.
علاوة على ذلك، قد وضعت حماس وحزب الله نفسيهما كلاعبين سياسيين مهمين، مع دعم شعبي كبير في بعض القطاعات من السكان في الأراضي الفلسطينية ولبنان والعالم العربي والإسلامي الأوسع نطاقاً. يمنحهم هذا القاعدة الشعبية الشرعية والرهان في التفاوض، حيث إن أي اتفاق سلام لا يعالج مطالب هذه القوى الفاعلة قد يواجه المعارضة ممن يؤيدونهم في العالم الإسلامي بأسره وليس العالم العربي وحده.
حماس وحزب الله اليوم لديهما فيتو على السلام في الشرق الأوسط، ومن يقول غير ذلك واهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.