لا أعتقد أن الهجوم الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي كان مسرحية، يرجع ذلك إلى أن إسرائيل قد أسست استراتيجية أمنها القومي على سياسة ردع قوية وحاسمة، بمعنى أنها إذا تعرضت لأي هجوم، سواء من فواعل غير دوليين أو دولة معينه، فإنها ترد بأقصى قوة وترد بضربة قاصمة، ملحقة أقصى الخسائر الممكنة لضمان عدم تفكير أي طرف في مهاجمتها مجدداً.
وقد تم كسر هذه الاستراتيجية مرتين خلال الستة أشهر الأخيرة، مرة في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، ومرة أخرى بعد الهجوم الإيراني المباشر عليها.
من ناحية أخرى، أرادت إيران توصيل رسالة و رداً محدوداً لتجنب التصعيد، لكن على الرغم من إسقاط معظم المسيرات والصواريخ بواسطة حلفاء إسرائيل، إلا أن عدداً من الصواريخ الإيرانية استهدف وضرب القاعدة الجوية الإسرائيلية، التي انطلقت منها الطائرات التي قصفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
كما أن الاحتلال الإسرائيلي يمتنع عادةً عن الإعلان عن خسائره البشرية أو المادية نتيجة أي هجوم يتعرض له، ولذلك أحسب أن تلك الصواريخ القليلة التي وصلت القاعدة الجوية قد تسببت في خسائر بشرية ومادية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الرد الإيراني المحدود قد كسر إحدى أهم قواعد الأمن القومي الإسرائيلي، وكشف أن إسرائيل، بالرغم من تسليحها الكثيف، لا تستطيع الدفاع عن نفسها منفردة، وإنما لا بد من دعم أمريكي وغربي، بالإضافة إلى دعم من بعض النظم العربية. هذا الرد الإيراني أيضاً قد كسر القاعدة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على النظم العربية لعقود، وهي أن لإسرائيل الحق في مهاجمة أي دولة عربية دون رد من هذه الدول، كما حدث عندما قصف المفاعل النووي العراقي واستهدف تونس والسودان، وكما يقوم بقصف سوريا بصورة شبه يومية دون أن يرد النظام السوري، حليف إيران، بطلقة واحدة.
أثبتت عملية طوفان الأقصى وهجوم إيران أن هذا الاحتلال ليس بالقوة التي يحاول تصويرها وإيهامنا بها، فرغم مزاعمه بأنه أقوى من كل جيوش الدول العربية من ناحية كم التسليح ونوعيته وقوته، عمل على تحشيد الغرب ليدعمه أمام المقاومة.
تكفي الإشارة إلى أنه بعد عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها حركات مقاومة تقاوم الاحتلال وليس دولاً تمتلك جيوشاً نظامية ولا تملك طائرات أو دبابات أو مدفعية أو دفاعاً جوياً، سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول الغرب بإرسال حاملات طائراتها فوراً إلى المنطقة لحماية إسرائيل من حركات التحرير تلك.
ولو كانت الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل قادرة بمفردها وبدون مساعدة على مواجهة طوفان الأقصى، لما سارعت بحشد قوتها البحرية الضاربة في البحر المتوسط وإعلان التأهب في كل قواعدها العسكرية بالمنطقة.
منذ عام 1948 لم يحارب الاحتلال بمفرده
وهذه هي العادة للاحتلال الإسرائيلي، المبالغة وتهويل قوته لإخافة العدو. بعد الهزيمة في حرب 1967، تفاخر الإسرائيليون بقوة جيشهم، معتبرين أنه لا يقهر، وأن طيرانهم يمثل "اليد الطويلة" لإسرائيل التي تصل إلى أي مكان في الدول العربية. وقد ظلوا يروجون لهذا الادعاء حتى جاءت حرب رمضان، في السادس من أكتوبر عام 1973، حينما عبر الجيش المصري قناة السويس ودمر خط بارليف واستولى على الحصون الإسرائيلية، كما تم قطع "ذراع إسرائيل الطويلة"، حين استطاع الدفاع الجوي المصري أن يسقط العشرات من طائراتهم، مما اضطرهم للحصول على أوامر بعدم الاقتراب من قناة السويس أكثر من خمسة وعشرين كيلومتراً شرق القناة.
ولولا الدعم الفوري من الولايات المتحدة في حرب أكتوبر 1973، وإنشاء أكبر جسر جوي لنقل السلاح إلى إسرائيل لتعويض خسائرها الفادحة، حيث كانت الدبابات تنزل من طائرات النقل وقد تم ملء خزانات الوقود وخزائن الذخيرة وكانت جاهزة للدخول في القتال فوراً، و لا تحتاج سوى لمن يقودها في ساحة المعركة فقط، بجانب ذلك أمدت طائرات الاستطلاع الأمريكية إسرائيل بمعلومات عن كل تحركات الجيش المصري؛ مما ساعد على تنفيذ الثغرة وتقليص النصر المصري.
لقد أظهرت الحروب مع إسرائيل منذ حرب 1948، وخاصة بعد إعلان دولة الاحتلال، أن إسرائيل لا يمكنها خوض الحروب بمفردها. في حرب 1948، كانت بريطانيا العظمى وراءها، وبعد تراجع الإمبراطورية البريطانية، جاءت الولايات المتحدة لتكون الحامي الجديد والضامن لأمن دولة إسرائيل.
ولعل طوفان الأقصى والهجوم الإيراني على إسرائيل يكون بداية النهاية لأساطير القوة الإسرائيلية، لذلك نقول اليوم وبقوة إنه يمكن لقوة محدودة لكن بعقيدة قوية أن تزعزع هذا الاحتلال وتنهيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.