كان مايكل بالاك، القائد التاريخي لمنتخب ألمانيا، الذي عُرف بتفانيه في كرة القدم وسوء حظه والذي عُرف عنه رغم تفانيه في هذه اللعبة؛ واقفاً على منصة التتويج في تلك الليلة التي تجرع فيها معنى سوء الحظ للمرة الأولى في حياته!
يعرف مشجعو باير ليفركوزن جيداً نفحات شهر مايو/آيار؛ إنه الشهر الذي يُمثل الذكرى الأسوأ في تاريخ النادي الأحمر، النادي الذي يزيد عمره على 100 عام، لم يعش في تاريخه الطويل، أبشع من شهر مايو/آيار في عام 2002.
حين خسر الفريق بطولة الدوري الألماني، بعد أن كان قريباً منها للمرة الأولى في تاريخه، وكذلك من بطولة كأس ألمانيا، للمرة الثانية في تاريخه، ومن بطولة دوري أبطال أوروبا، للمرة الأولى في تاريخه!
في الرابع من مايو/آيار، خسر ليفركوزن بطولة الدوري، وفي الحادي عشر، خسر بطولة الكأس، وفي الخامس عشر، خسر بطولة دوري أبطال أوروبا؛ وفقد ليفركوزن الثلاثية التاريخية التي خرج منها خالي الوفاض في نهاية الأمر.
لم يكن باير ليفركوزن مقتنعاً بأن الحياة ستمنحه تعويضاً؛ نظير الصبر البالغ الذي عانى منه ومعه مشجعوه. بعد عام، وفي الذكرى السنوية للنكبة الألمانية الأشهر في ألمانيا، وُلد طفل يدعى فلوريان فيرتز، في مكان بعيد عن باير ليفركوزن، لكنه كان يحمل بميلاده شهادة نجاح لن يتوقعها أكثر أنصار النادي تفائلاً!
فلوريان فيرتز.. في ذكرى الذكرى السنوية الأولى لانتكاسة ليفركوزن
وُلد فلوريان فيرتز في الثالث من مايو/آيار عام 2003، وهو اليوم الذي يُوافق الذكرى السنوية الأولى لانتكاسة ليفركوزن الأشهر، وُلد فيرتز لعائلة تكتسب ثقافة كروية بالغة، وتاريخاً لا يُمكن أن يكون عادياً.
والده، الذي لم يكن لاعباً مشهوراً، ووالدته التي كانت على دراية بشؤون الرياضات بشكل عام، أنجبا لهذا العالم جوليان وفلوريان؛ جوليان هي الشقيقة الكُبرى لفلوريان، والتي تكبره بعامين فقط.
كان والدهما يمتلك نادياً في النطاق المحلي الخاص بالمدينة التابعة للعائلة، وقرر الوالد أن يُنشئ أبناء على حب رياضة كرة القدم، تماماً كما أحبها نفسه.
في النادي الذي تعايشا فيه، تحت إمرة وإدارة الوالد، خرج فلوريان وجوليان إلى مساحة كرة القدم بسرعة، ومن النادي التابع للمدينة إلى الأندية الكُبرى في ألمانيا، سارا بنفس الخطوات، وهذا الأمر ليس مجازياً وإنما حقيقة.
فجوليان وفلوريان، كانا قد تشاركا قمصان نفس الأندية حتى فترة قريبة للغاية، حتى إنهما مثلا فريق كولن في نفس الفترة، ومثلا فريق ليفركوزن في نفس الفترة، وبطبيعة الحال خرجا من صفوف فريق الوالد في صغرهما، لكن شقيقته جوليان حالياً تلعب في صفوف فريق فيردر بريمن النسوي، وفلوريان لا يزال على العهد مع باير ليفركوزن.
تربى فلوريان على حب هذه اللعبة، ولم يجد على شاشة التلفاز أفضل وأهم، بالنسبة له، من فريق برشلونة، الذي كان يُقدم كرة قدم ساحرة وجميلة، بقيادة أوركسترا بيب غوارديولا؛ وهو نفس الفريق الذي أكد فلوريان فيرتز أنه يرغب في الانضمام إليه، حتى هذه اللحظة ما لم يجد في الأمر جديد.
أحب فلوريان هذه الكرة، وعشق في الوقت ذاته النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يعتبره فلوريان فيرتز أحد أشهر وأكثر المؤثرين في هذه اللعبة، ويعتبره قدوته في هذه اللعبة، ويتعلم منه كل شيء، كما وصفه مدربه تشابي ألونسو في حديث سابق عن التشابه في أسلوب اللعب وكذلك الأدوار داخل الميدان، بين الألماني فيرتز والأرجنتيني ميسي!
ورغم أنه يكبره بأربعة أعوام فحسب، إلا أن فيرتز يمتلك مؤثراً آخر غير ميسي؛ هو البرتغالي الحالي في صفوف برشلونة والمُعار من صفوف أتلتيكو مدريد، جواو فيليكس، الذي يُعد بمثابة قدوة في لعبة كرة القدم الحالية للألماني الشاب.
حينما انضم فلوريان فيرتز إلى قائمة المنتخب الألماني الأول، كان عليه أولاً أن يختتم المرحلة الثانوية في المدرسة، من خلال اصطحاب مُعلم من المدرسة الثانوية لخوض الاختبار الختامي للمدرسة الثانوية في ألمانيا.
وهو أمر يشيع في ثقافة ألمانيا، ويتقبله الاتحاد الألماني لكرة القدم، عن طريق خوض الاختبارات الختامية في المراحل المهمة بالنسبة للاعبين الشباب داخل معسكرات المنتخب وفئاته السنية؛ وهو نفس الأمر الذي أدى في فترة من الفترات إلى استبعاد فلوريان من قائمة باير ليفركوزن الذي كان يخوض مباراة في بطولة الدوري الأوروبي لكرة القدم!
في الثامنة عشرة من عمره، تعرض فيرتز لإصابة قوية على مستوى الرباط الصليبي، كانت التوقعات عالية عليه قبلها، وكما هي العادة، خاصة بالنسبة للعناصر الشابة، ظن الجميع أن مسيرة فيرتز قد انتهت، أو ربما ستتغير عما كان مُتوقعاً لها.
خرج حينها فلوريان فيرتز من حسابات ليفركوزن، وكذلك منتخب ألمانيا، في وقت كان من أبرز المواهب الشابة، ومحطماً لمعظم الأرقام القياسية، رغم أنه كان من أصغر لاعبي ألمانيا تأثيراً في تاريخ بطولة الدوري الألماني.
خرج فيرتز، للإصابة، لحوالي 10 أشهر، وهي مدة طويلة جداً بالنسبة للاعب مهاري، يلعب في فريق مثل ليفركوزن، ويُشارك في خط الوسط والهجوم؛ ربما لأن التنوع والصفقات والبحث عن بديل قد يكون كافياً للاستغناء عنه، أو على الأقل عدم انتظار عودته.
فاجأ الشاب الألماني الجميع و عاد قوياً، عاد بأبهى حُلة له، واستطاع أن يفرض نفسه على قوام المدرب الإسباني الشاب تشابي ألونسو الذي أصبح أساسياً بالنسبة له منذ عودته!
ورغم أن بعض ندبات العملية الجراحية في الركبة واضحة في ركبة فيرتز، قال فيرتز إن هذه الندبات ستكون مهمة لإظهار موهبته، وبدأ من اللحظة التي عاد فيها إلى الملعب، في التفكير في كيف يُعوض ما فاته خارجه.
كان باير ليفركوزن في موسمه الأول تحت قيادة تشابي ألونسو فريقاً يتمتع بالكثير من الطموح، لكن أن يأتي الموسم الثاني لتشابي ألونسو ويزحف بالفريق نحو قمة الدوري الألماني؟ هذا الأمر كان بعيد المنال عن الجميع.
فقد حاول من قبلهم بروسيا دورتموند، وظهر في الساحة الألمانية العديد من الفرق الجيدة التي ترتقي إلى المستوى الرائع، لكنها أبداً لم تستطع مُقارعة بايرن ميونخ في ريادة الكرة الألمانية.
احتكر بايرن ميونخ الدوري الألماني لـ12 سنة متتالية، حتى أتى تشابي ألونسو وكتيبته لتُحطم هذا الاحتكار، وتُنهيه، وكان فلوريان فيرتز أحد أهم أسباب إنهاء هذا الاحتكار، ليمنح ليفركوزن لقبه الأول في تاريخ النادي في بطولة الدوري الألماني!
كانت جماهير باير ليفركوزن حاضرة، في تلك الليلة التي أُعلن فيها بشكل رسمي تتويج باير ليفركوزن بلقب بطولة الدوري للمرة الأولى، ونزلوا إلى ساحة الملعب للاحتفال بالشاب الألماني العبقري الذي منحهم ما حُرموا منه في مطلع الألفية.
في مايو/آيار القادم، الذي تفصلنا عنه أيام، لن تبكي جماهير باير ليفركوزن مجدداً ولن تتذكر أحزانها وما عايشته في نفس الشهر من عام 2002، فهذه المرة هُم يمتلكون فلوريان فيرتز، اللاعب الذي لعب حتى الآن 41 مباراة، سجل 17 هدفاً وصنع 18 هدفاً، ومنحهم لقب الدوري الأول في تاريخ النادي، ويقترب من الوصول إلى نصف نهائي بطولة الدوري الأوروبي التي يبدو ليفركوزن من أبرز المرشحين لاقتناصها.
وخلال اختتام الموسم، وبينما ستستريح الفرق من أجل التحضير للموسم المقبل، سيكون باير ليفركوزن على موعد مع المباراة النهائية لبطولة كأس ألمانيا التي سيخوضها ضد فريق كايزرسلاوترن.
سيختتم باير ليفركوزن الموسم، ثم سيجلس على طاولة التفاوض بشأن فلوريان فيرتز، الذي سيكون صعب المنال بالنسبة لناديه المُحبب إلى قلبه برشلونة؛ بسبب المتطلبات المادية الكبيرة المتوقعة لصفقته، وقد يكون خروجه إلى الدوري الإنجليزي، أو يستمر في ليفركوزن لصناعة مجد جديد لناديه، أو يذهب نحو النادي الأقوى في تاريخ ألمانيا؛ بايرن ميونخ!
صحيح أن ليفركوزن خسر وبكى في عام 2002 كثيراً، وخسر الثلاثية التاريخية في عشرة أيام، لكنه حالياً يمتلك فريقاً يقوده فنياً تشابي ألونسو، وفي الهجوم فلوريان فيرتز، ويمكنهم أن يحلموا بثلاثية أخرى، يتخللها لقب أوروبي، وهذه المرة لن يبكي باير ليفركوزن، لن يبكي أبداً بعد الآن!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.