يعتبر التوتر بين إيران وإسرائيل من بين القضايا السياسية والأمنية الحساسة في الشرق الأوسط، والتي تتصاعد بين فترة وأخرى بسبب عدة عوامل، منها الصراع الجيوسياسي، والمصالح الإقليمية، والتأثيرات الدولية.
شهدت الساحة العالمية مؤخراً تصاعداً للتوتر بين الغريمين إيران وإسرائيل (إذا اعتبرنا الدول العربية مطبعة مع إسرائيل أو تسعى لذلك)؛ بسبب سلسلة من الهجمات التي نُسبت إلى إيران أو تنفيذ قواتها أو ميليشياتها الموالية.
من بين هذه الهجمات كانت هجمات صاروخية وهجمات إلكترونية وغيرها، التي استهدفت مواقع حساسة في إسرائيل أو جزءاً من مصالحها، تلك الهجمات أثارت مخاوف إسرائيل من تصاعد التهديد الإيراني وتأثيره في أمنها القومي، كما أنها ردت على هذه الهجمات بعمليات عسكرية تستهدف مواقع في سوريا أو غيرها، مما زاد حدة التوتر بين البلدين.
بالإضافة إلى الرد الإيراني قبل أيام انتقاماً من الهجوم الإسرائيلي الأخير على سفارة إيران بدمشق وقتل بعض دبلوماسييها، هذا الرد الذي أخذ بعداً آخر متبايناً بين محللي الرأي العام، بين من اعتبره رداً قاسياً ومن اعتبره استعراضاً ومسرحية، إلا أن تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل يعكس الصراع الإقليمي الذي يتجاوز الحدود الوطنية، ويتداخل مع الديناميات الدولية، كما يعكس أيضاً التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، والتي تتطلب حلاً سياسياً شاملاً يعالج الأسباب الجذرية للصراع.
من المهم أن يعمل المجتمع الدولي على تهدئة التوتر بين الطرفين وحثهما على التوجه نحو حوار بناء يحقق الاستقرار في المنطقة، ويعزز السلم والأمن الإقليمي، وعلى الدول الكبرى والمنظمات الدولية تبني أدواراً فاعلة في حث الأطراف على تجنب التصعيد والبحث عن حلول سلمية للنزاعات، لأن التوتر بين إيران وإسرائيل يعتبر تحدياً كبيراً للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل عام، ويتطلب جهوداً دبلوماسية حثيثة للتصدي لهذا التوتر وتجنب تفاقمه وتداعياته السلبية على المنطقة بأسرها.
فبعد طوفان الأقصى الذي شهدته فلسطين مؤخراً، ظهرت تحولات كبيرة في موازين القوى في المنطقة، واتضح مواقف الدول العربية القريبة من الصراع، وبعض دول الإقليم، كما أوضحت المقاومة للعالم بعض سننها ومبادئها التي أدت إلى تغيرات عالمية على مستوى الشخصية الفردية وسياسة بعض الدول الغربية التي كانت تقف بصف الاحتلال، حيث ما زالت المظاهرات الغربية إلى اليوم، وبعد أكثر من ستة أشهر على المقاومة، وحيث ما زالت بعض برلمانات تلك الدول تشهد أيضاً رفضاً بنيوياً لهذا التدمير والقتل العشوائي للشعب الفلسطيني، مما أدى إلى تغيرات هامة على الساحة السياسية والاجتماعية في تلك الدول.
تأتي هذه التحولات في ظل تعامل المجتمع الدولي مع المقاومة الفلسطينية، حيث برزت ردود فعل متباينة تجاه الأحداث الجارية، فالبعض يدعم الفلسطينيين، ويدين الانتهاكات الإسرائيلية، في حين يظل بعض الأطراف الدولية متقاعسة في التصريح بمواقف قوية تجاه القضية، إلا أنه تأكد لدى الإسرائيليين تدخل إيران تدخلاً رئيسياً في مساعدة المقاومة على التسليح والتدريب وحتى التمويل، بالإضافة إلى المساهمات اللوجستية لحفر أنفاق المقاومة ولحزب الله في لبنان، وللحوثيين في اليمن ولميليشيات أخرى في سوريا والعراق، لذا تقوم إسرائيل بين فترة وأخرى باستهداف مصالح إيران الناشطة والقريبة منها، الأمر الذي لم يترك خياراً أمام إيران سوى الرد ببعض المسيرات والصواريخ البالستية.
وفي هذا السياق، شهدت العديد من الدول تحركات شعبية ودبلوماسية تندد بالاعتداءات الإسرائيلية، وتدعو إلى وقف العدوان واحترام حقوق الإنسان، وعرفت المنظمات الدولية تحركات مهمة لوقف الانتهاكات وللدفاع عن الشعب الفلسطيني من ضمنها منظمة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى جهود جمهورية جنوب أفريقيا التي اتهمت إسرائيل القيام بإبادة جماعية في فلسطين لدى محكمة العدل الدولية التي لم تصدر حكمها النهائي إلى الآن، بينما ما زالت إسرائيل تقوم بتلك الأعمال كما لو أن شيئاً لم يكن.
هذه التحركات تعكس تغيراً هاماً في موازين القوى في الشرق الأوسط، حيث بدأت الأصوات المطالبة بالعدالة والحرية تتسارع، وأصبح من الضروري تحقيق الاستقرار من خلال حل سياسي عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع غياب أي حراك حقيقي وملزم، إلا من بعض الأصوات التي تنادي بحل الدولتين بما فيها أمريكا الحليف الأول والقوي لإسرائيل.
التحدث عن تضافر الجهود ووقوف المجتمع الدولي ضد إسرائيل دعماً لنضال الشعب الفلسطيني وصولاً لحقوقه الأساسية أصبح حديثاً معاداً تكرره الألسن في كل اجتماع وأثناء كل حالة مقاومة ورد لعدوان وانتهاك لحقوق وكرامة.
العدو الإسرائيلي لا يستطيع أن لا يقتل فعقيدته تأمره بذلك، الأمر يبدو معقداً هنا، فمع كل تصريح لحاخام يهودي يتضح أن العقيدة التشريعية لإسرائيل تحثهم على قتل غير اليهودي وتوسيع القتل ليشمل الدواب والزرع وهدم البيوت، بالإضافة إلى قتل البشر، إلا أن ما يلحظه المتابع أن هذه العقيدة لم تكن لتنفذ في البلدان التي قدموا منها حيث حوربوا وانتهكت حقوقهم، ومع ذلك كانوا في قمة البذل والطاعة.
والصراع بين القوى في المنطقة أصبح على أشده خصوصاً بين إيران وإسرائيل، وهو إجابة عما ورد في صدر هذا المقال من الأسباب المؤدية للصراع كالتنافس الإقليمي على النفوذ، والخلافات الدينية والثقافية المعروفة، وكذلك الصراع على الموارد الطبيعية؛ لأن إسرائيل لن تقف مع الاستيلاء على الغاز الفلسطيني فقط، وهذا ما يفسر كل هذا التعنت والجمود من جانب إسرائيل وعدم الرغبة في حل القضية الفلسطينية، في حين لعبت التطورات التاريخية لعلاقات إيران بالاحتلال الإسرائيلي قبل الثورة الإيرانية دوراً كبيراً في التغيير السياسي من الجانبين، فتأثير الثورة الإيرانية على الصراع كان واضحاً، وصب لصالح القضية الفلسطينية عن فترة ما قبل الثورة الإيرانية.
في الحقيقة تأثرت علاقات إيران مع جميع الدول العربية تقريباً والعالمية أيضاً بنسب متفاوتة بين تصارع وتوافق، أيضاً حتم الأمر إيجاد واقع مختلف عما قبل الثورة، وكان هذا التأثر رهين واقع معاش أصبح على الدول العالمية مجاراة الوضع والتماشي مع هذا التغيير الذي أوقف بعض مشاريع الكيان، فاضطره إلى تغيير خططه ليتحول الصراع على أشده بين إيران والكيان الإسرائيلي، حيث أثرت تداعياته على الدول المجاورة، وأيضاً على العلاقات الدولية مع إيران، وحتى على الجهود العربية والدولية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كان ذريعة وليس سبباً حقيقياً لمط الصراع ناتج عن تخوف بعدم استقرار أنظمة الدول الإسلامية بشكل عام، وخلق واقع سياسي جديد، بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرت مسبقاً كالأطماع وغيرها، مع اعتقاد إسرائيلي أن تأجج الصراع وعدم تهدئته سيخدم مصالح إسرائيل بشكل أكبر في المنطقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.