كانت السماء مشتعلة بنيران الصواريخ والمسيّرات، وهي صواريخ ومسيرات أطلقتها إيران مباشرة إلى تل أبيب بعد أن قرر نتنياهو ضرب القنصلية الإيرانية بدمشق؛ واغتيال سبعة ضباط من كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني. فأعقب عملية الاغتيال وابل من الصواريخ والمسيرات عبر العاصمة طهران متجهاً إلى الداخل الفلسطيني المحتل. كانت ليلة تاريخية شاهد فيها وكلاء إيران الصواريخ بعدما أُطلقت من داخل الأراضي الإيرانية وليس من خارجها لأول مرة.
إذا توقفت الدول الغربية عن دعم إسرائيل فستنتهي من الوجود؛ إذ ليس باستطاعتها مواجهة دول الإقليم بمفردها، وهذا الافتراض يؤكده الدفاع المشترك بين بريطانيا وفرنسا لتدمير المسيرات والصواريخ الإيرانية بعدما تناثرت فوق إسرائيل ليلة البارحة. أمن إسرائيل هدف استراتيجي للإدارة الأمريكية، وبايدن أنهى عطلته واجتمع بشكل طارئ مع فريقه الأمني لمناقشة الهجوم الإيراني وآلية الدفاع المشترك عن إسرائيل وسمائها المشتعلة بالصواريخ الإيرانية، وهنا تبدأ التساؤلات.
لقد غاب عنصر المفاجأة عن الهجوم الإيراني؛ فطبيعة الهجوم الإيراني اختلفت جذرياً عن عملية تفجير القنصلية الإيرانية بدمشق، وهذا ما يطرح بعض التساؤلات حول الهجوم الإيراني الذي جاء بعد أسبوعين طرح فيها تفاصيل الهجوم واستعد الطرف الآخر الإسرائيلي لهذا الهجوم الذي لم يحقق نتائج ملموسة في العمق الإسرائيلي وفقاً للجانب الإسرائيلي، بينما اعتبرته إيران كافياً.
حكومة نتنياهو غير مهيأة للاستمرار في مجازر غزة، وكلما تقدم الزمن اتضح غياب الرؤية السياسية لهذه الحكومة التي لم تظهر للرأي العام إلا التطرف والجهل في تصريحاتها، ونظراً لجرائمها بغزة تراجع الدعم الدولي لهذه الحكومة، ولم يعد باستطاعة نتنياهو إلا فتح الجبهات وتوسيع نطاق الحرب وجعل المنطقة ساحة حرب كبيرة، وهذا ما تخشاه الإدارة الأمريكية لتصبح اجتماعات بلينكن السابقة ولقاءاته الدبلوماسية الماضية بلا فائدة والرد الإيراني أنهى الاستراتيجية.
سلوك الجيش الإسرائيلي بغزة عكس معتقدات القادة السياسيين والعسكريين وأهدافهم المنحطة وغير الإنسانية بغزة، فقد عملوا على تدمير البنية الحضارية للقطاع، واستهدفوا المنشآت الصحية وحفروا المقابر الجماعية وارتكبوا أبشع الجرائم. وفصلوا الشمال عن الجنوب ومارسوا سياسة التجويع واغتالوا المدنيين بشوارع غزة وأحيائها، ولم يسلم منهم الأطفال، وحتى النساء قتلوهن في أبشع صورة إنسانية، وبهذا أظهروا للعالم وللتاريخ بشاعة جنود القرن الحادي والعشرين!
جميع ما سبق فعله جيش الاحتلال بقرار من نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، ولم يخجل من مؤسسات الأمم المتحدة ولا من مجلسها، ولم تردعه محكمة العدل الدولية ولم ينصت لخطابات الأمين العام للأمم المتحدة ولا لكتاباته أو وقفاته البائسة أمام معبر رفح بداية الحصار. ذلك فصل مأساوي من تاريخ دول هذا القرن التي تدافع عن حقوق الإنسان وتحاول تطبيق دساتيرها وقوانينها ومعاهداتها لكي تثبت للعالم ولو للحظة بأنها متحضرة والواقع ينقل غير ذلك، وهنا أعود لرفح.
سياسة نتنياهو المتهورة ألقت به في وحل غزة ومن بعده ثارت عليه المقاومة كما قاده تهوره إلى قصف القنصلية الإيرانية، فكانت النتيجة 350 صاروخاً ومسيرة أطلقتها طهران من أراضيها إلى تل أبيب ليخسر نتنياهو ملياراً ونصف مليار في ليلة واحدة لصد الهجوم الإيراني، والآن يتهور أيضاً في الرد على طهران التي توعدت أيضاً بأن الرد القادم لن يكون خلال أيام أو أسابيع كما في السابق، بل في ثوانٍ معدودة؛ تلك هي التصريحات الرسمية من الجانب الإيراني الآن.
دعونا نتجاوز التشكيك بالهجوم الإيراني على إسرائيل والتنسيق المسبق قبل إطلاق المسيرات والصواريخ. ولنركز على هذه اللحظة التاريخية التي جمعت بين هاتين الدولتين باعتبارهما لاعبين أساسيين في رسم سياسة الشرق الأوسط. على الرغم من اختلاف مشروعهما السياسي وأهدافهما الإمبريالية في المنطقة. إيران تحاول السيطرة على دول الجوار، لذا تحقق ذلك من خلال العمليات العسكرية للحرس الثوري الموجود خارج حدودها. كما توظّف الأيديولوجيا الدينية لهدفها.
أما إسرائيل فتركيبتها مختلفة بينما هدفها هو التوسع باسم الدول الغربية في الشرق الأوسط، لذا عملت على زرعها في المنطقة على فترات زمنية طويلة أنجزت فيها الكثير من الصفقات السياسية، وهي مجرد جسم غريب تم زرعه في هذه المنطقة، وذلك الجسم الغريب بدأ يتحلل داخلياً وخارجياً، وجميع المؤشرات والمعطيات تثبت حقيقة التناقضات التي حلت بذلك الجسم الغريب. أنا أتابع الآن هذا الفصل الجديد الذي بدأه نتنياهو بحماقة وأجبره على تأخير اجتياح رفح وفتح عليه جبهات متعددة: إيران تتوعده بالرد، وحزب الله يستعد له من لبنان، وفصائل المقاومة تترصده بالعراق واليمن.. وأين المفر؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.