في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز نية الاحتلال الإسرائيلي لدفع المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية. من خلال استمرار سلسلة من الأعمال العسكرية الهمجية ضد الفلسطينيين في غزة، وعرقلة مسار المفاوضات، بجانب زيادة التدخلات والضربات العسكرية في سوريا، لبنان، العراق، واليمن، تهرب إسرائيل إلى الأمام عن طريق جر إيران، وليس أذرعها فقط لمواجهة مباشرة.
منذ تأسيسها، لعبت إسرائيل دوراً محورياً في تهديد استقرار الشرق الأوسط، حيث رفضت بشكل مستمر أية محاولات حقيقية للسلام، مفضلة بدلاً من ذلك فرض هيمنتها على المنطقة. تستفيد إسرائيل في سعيها هذا من دعم أمريكي شامل يشمل المجالات العسكرية والدبلوماسية. على مر السنين، أدى هذا النهج إلى تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما زاد الأوضاع تعقيداً ودفع الصراع الإقليمي نحو المزيد من التصعيد.
المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، يشير إلى أن إسرائيل قد تخلت تماماً عن التزاماتها بموجب اتفاقيات أوسلو، ما يدل على أن السلام لم يكن أبداً هدفاً حقيقياً للسياسة الإسرائيلية. فعوضاً عن دعم بناء قيادة فلسطينية قوية وموحدة، اعتمدت إسرائيل، خاصة خلال الفترات الخمس التي تولى فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء، استراتيجية "فرّق تسد". هذه السياسة كانت واضحة في تعاملات إسرائيل مع الفلسطينيين، خاصة عندما بدأ الفلسطينيون في تسوية خلافاتهم الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حماس وفتح. ففي كل مرة كانت هناك محاولة لتوحيد الصف الفلسطيني، كانت إسرائيل تشن عمليات تخرب هذه الوحدة.
حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005، والذي قدم على أنه خطوة نحو السلام، لم يكن في الحقيقة جزءاً من تسوية شاملة، بل كان استراتيجية لإعادة ترتيب السيطرة الإسرائيلية وتعزيز الانقسامات الفلسطينية، ما يؤكد استمرارية سياساتها التي تهدف إلى إضعاف أي شريك فلسطيني محتمل في مفاوضات السلام. من خلال هذه الأفعال، أظهرت إسرائيل بوضوح أنها غير راغبة في وجود شريك فلسطيني حقيقي يمكن أن يهدد سيطرتها على المنطقة.
ويبدو أن واقع اليوم يشير إلى أن الهمجية والعدوان الإسرائيلي لن يقف عند حدود فلسطين، فها هي إسرائيل ونتنياهو تحديداً، يدفعان لإشعال حرب إقليمية، حيث تقوم إسرائيل بشن عمليات عسكرية نشطة على 5 جبهات من غزة، سوريا، لبنان، العراق، واليمن، وإيران.
ولعل الفارق البارز في الأحداث (ضربة إيران) التي شهدتها المنطقة أمس يكمن في تحول مسار من مجرد اشتباكات بين إسرائيل وفواعل ما دون الدولة إلى أول صدام مباشر بين دول في الشرق الأوسط خلال الأشهر الستة الماضية، حيث كسرت قواعد الاشتباك أمس بين إيران وإسرائيل، وتحولت من مجرد من مواجهات بين الاحتلال وأذرع إيران إلى صدام مباشر، ممثلاً برشقات صاروخية مباشرة من إيران على الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سابقة تُعد الأولى منذ هجمات العراق خلال حرب الخليج عام 1991.
هذا التحول لم يكن دون تكلفة، حتى وإن لم تظهر آثار دمار واسعة في إسرائيل. البعد الاقتصادي لهذه المواجهة يكشف عن أعباء مالية ضخمة. وفقاً لتقرير من "يديعوت أحرونوت"، أنفقت إسرائيل في ليلة واحدة مبلغاً يقدّر بحوالي 5 مليارات شيكل (1.35 مليار دولار) لصد هجوم مكثف من المسيّرات والصواريخ الإيرانية. هذا المبلغ المهول يقابله تقديرات تفيد بأن إيران أنفقت فقط حوالي 10% من هذا الرقم، مما يبرز التفاوت الكبير في النفقات بين الجانبين ويعكس العبء الاقتصادي الذي قد تتحمله إسرائيل في حال توسع نطاق النزاع.
بينما رمزياً، تعتبر هذه الرد تذكيراً بقدرة إيران على إمكاناتها لتكبيد إسرائيل خسائر كبيرة بشكل مباشر، ما يحمل دلالات استراتيجية قد تؤثر على مجريات الصراع المستقبلي في المنطقة. لكن رغم ذلك، يظل السؤال مطروحاً حول كيفية استجابة الأطراف المختلفة لهذه التحديات الجديدة والمتصاعدة.
لكن هذا التطور الأخير، يظهر تغييراً خطيراً في توازن الردع بالمنطقة، ما يعزز من احتمالية تحول العمليات العسكرية المحدودة إلى حرب إقليمية مفتوحة—وهو سيناريو أصبح الآن أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.