ما زال هناك من يتناول وجبات المطاعم الأمريكية، دون اكتراث لما يحصل من مجازر، وربما هو نفسه من يحافظ على العبادات، خصوصاً حينما كنا في شهر رمضان المبارك. وهذا ما يدعو للتساؤل: هل تم تفريغ كثير من العبادات من مضامينها، فلم تعد نابعة من الداخل، ولم تعد تتفاعل لتصوغ إنساناً أكثر إنسانية ووعياً بآلام الآخرين؟
اعتمد جامع قريب قارئاً للتراويح كل ليلة، كل ليلة هناك صوت جديد وأداء مختلف. في المحراب انتصبت مجموعة من الكشافات باتجاه الإمام، وأكثر من كاميرا ترصد تعابير وجهه، وهناك شاب يرتقي المنبر بكاميرا محمولة يريد توثيق لحظات الخشوع لدى المصلين، هي إذا استعراضية وتسفيه لشعائر ذات خصوصية وعلاقة بين العبد وخالقه سبحانه، الخالق الذي لا يقبل الشراكة في عبادته، تحولت الصلاة إلى احتفالية ذات أضواء، ويحتفى بها في مواقع تواصل اجتماعي، لعلها تحصد اللايكات!
ما الذي حصل، كيف تسربت كل هذه الأفكار والممارسات لأكثر الشعائر قدسية وروحانية؟!
الروحانية تشير إلى البعد الروحي والمعنوي في الحياة، وتركز على البحث عن المعنى والغرض العميق للوجود. قد تعتبر الروحانية أن السعادة والتحقيق الذاتي تتحقق من خلال التواصل مع الروح أو الإلهي والسعي وراء القيم الروحية، من ناحية أخرى فالاستهلاكية تشير إلى النهج الذي يركز على الاستهلاك المادي والاقتصادي في الحياة. وتركز الاستهلاكية على تحقيق السعادة والرفاهية من خلال امتلاك المزيد من الممتلكات المادية والتمتع بالمزيد من الخدمات والمنتجات التجارية. وفي حين أن الروحانية تركز على الأبعاد الروحية والمعنوية المتجاوزة، فإن الاستهلاكية تركز على الجانب السطحي والمادي من الحياة، وتؤكد على أن السعادة تتحقق من خلال التمتع بالأشياء المادية والمظاهر الخارجية للنجاح.
التضارب بين الروحانية والاستهلاكية يمكن أن يظهر في العديد من المجالات، مثل القيم الشخصية، والأهداف الحياتية، والأولويات المهنية. قد يشعر البعض بتوتر بين السعي وراء النجاح المادي وتحقيق التوازن الروحي، وقد يجدون صعوبةً في توفيق بين الجانبين.
في عالم اليوم حيث الإنسان الفرد هو المركز والمحور، يتم العمل على تعظيم المتع الحسية الفردية، وإشباع الحواس، الإشباع الآن وحالاً، أي الاستهلاك المباشر، والانتقال لإشباع آخر. كل ما يحيط بنا، حتى الأفكار التي نظنها صلبة كما في التدين انتقلت لها العدوى، الشعائر باتت عبارة عن استعراضات أداء، القراء يشبهون مؤدي المهرجانات الغنائية. لم يعد أحدناً يستطيع التقاط أنفاسه، ولا يستطيع التركيز على الآيات كما كان يفعل سابقاً مع الأئمة الذين يألفهم.
أحد المحاور الأساسية في إشباع الحواس استهداف الشعور، لأن "الشعور أقل تعقيداً من الفكرة، المشاعر أحاسيس خام، نسخة أولية من ردات فعلك التي لم يضع عقلك لمساته الأخيرة عليها". هنا يختلط الحابل بالنابل، ويساق الإنسان ضمن تيار كبير من اللذة والمتعة وإن بصبغة روحانية، فتفقد الشعائر روحها وقدرتها على إعادة التوجيه، فيصير الإنسان كائناً شعائرياً، ولكن دون نبض من ضمير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.